فإني في كتابكم روحا يدل على أن شيئا من حالكم قد تحسن، أو جانبا قد تردم ... ، إن كتابتك عن المساكين بعنوان " كلمة مسكين " مما يحسن وقعه لأنك تعبر عن شعور فقري صحيح ... .
ولم اطلع على ما كتبته " الثمرات " فإن كان عندك العدد فاقتطع منه تلك الكلمات وأرسلها.
أما " الأخبار " فعلمت أن الذي كتب فيها رجل قسيس من " الفرير "، وقد كتب قطعة طويلة وليست عندي لأني لا أجمع الصحف التي تكتب عني، وقد ندمت أخيرا على هذا الإهمال ولكن لات ساعة مندم.
وكذلك العدد الذي كتبت فيه كلمة الهمزة فقد فقدته، لأني مكتبي الآن مريض مثلي، فأنا ألقي عليه مثل هذه الأعداد والأولاد يمزقون ... .
الذي قرّظ " المساكين " في الأهرام هو " الجميل " صاحب مجلة " الزهور " ومجلته الآن معطلة، و " الأهرام " تعتمد عليه في بابي الانتقاد والتقريظ.
أما كلمة " المقطم " فيظهر أنك عرفت كاتبها .. و " الهلال " فإني عجبت من كتابته وقد أخلف ما وعد، فأحللت نفسي مما وعدته ونويت أن لا أكتب المقالة التي طلبها.
وصاحب الهلال القديم – المأسوف عليه – كان يجلني ويمدحني، حتى إذا أصدرت " تاريخ آداب العرب " تغير لي وأخذ يعرض بي تعريضا في مجلته من غير أن يصرح باسمي، فكتب بضع مقالات من هذا النمط، وأظن أن ابنه يشبهه.
ولقد كنت أنا السبب في أن " زيدان " ألف كتابه " تاريخ آداب اللغة العربية "، ولذلك تاريخ لا محل له الآن.
أما " أمين بك الرافعي " فهو رجل حر الضمير، كبير النفس .. ولو رأيت أخاه " عبدالرحمن بك " لرأيت عجيبا في الأخلاق والفضائل.
أختم بطيب التحية، وإن كان عندكم شيخ كالشيخ " علي " فاسأله لي الدعوات.
والسلام .. .
مصطفى صادق الرافعي
19 – كتب الأسلوب البليغ وكيف تقرأ؟
طنطا في 25 نوفمبر سنة 1917
يا أبا رية:
السلام عليك،
وقد كنت مريضا وسافرت إلى مصر ... لقد تخيلت كثيرا في الوصية التي تطلبها وما أشبهك برجل لا يصلي ولا يصوم ولا يؤتي الزكاة ولا يحج، ثم يريد أن يخرج كفارة تسقط عنه كل ذلك، ويبقى وادعا مستريحا وله ثواب الصائم بدريهمات معدودة ... .
الإنشاء لا تكون القوة فيه إلا عن تعب طويل في الدرس وممارسة الكتابة والتقلب في مناحيها والبصر بأوضاع اللغة وهذا عمل كان المرحوم الشيخ " محمد عبده " يقدر أنه لا يتم للإنسان في أقل من عشرين سنة.
فالكاتب لا يبلغ أن يكون كاتبا حتى يبقى هذا العمر في الدرس وطلب الكتابة.
فإذا أوصيتك فإني أوصيك أن تكثر من قراءة القرآن ومراجعة " الكشاف " (تفسير الزمخشري).
ثم إدمان النظر في كتاب من كتب الحديث " كالبخاري " أو غيره، ثم قطع النفس في قراءة آثار " ابن المقفع " " كليلة ودمنة " " واليتيمة " والأدب الصغير "، ثم رسائل " الجاحظ، وكتاب " البخلاء " ثم " نهج البلاغة " ثم إطالة النظر في كتاب " الصناعتين " و " المثل السائر " لابن الأثير، ثم الاكثار من مراجعة " أساس البلاغة " للزمخشري.
فإن نالت يدك مع ذلك كتاب " الأغاني " أو أجزاء منه و " العقد الفريد "، و " تاريخ الطبري " فقد تمت لك كتب الأسلوب البليغ.
اقرأ القطعة من الكلام مرارا كثيرة، ثم تدبرها، وقلب تراكيبها، ثم احذف منها عبارة أو كلمة، وضع ما يسد سدها ولا يقصر عنها، واجتهد في ذلك، فإن استقام لك الأمر فترق إلى درجة أخرى.
وهي أن تعارض القطعة نفسها بقطعة تكتبها في معناها، وبمثل أسلوبها، فإن جاءت قطعتك ضعيفة فخذ في غيرها، ثم غيرها، حتى تأتي قريبا من الأصل أو مثله.
اجعل لك كل يوم درسا أو درسين على هذا النحو فتقرأ أولا في كتاب بليغ نحو نصف ساعة، ثم تختار قطعة منه فتقرأها حتى تقتلها قراءة، ثم تأخذ في معارضتها على الوجه الذي تقدم – تغيير العبارة أولا ثم معارضة القطعة كلها ثانيا – واقطع سائر اليوم في القراءة والمراجعة.
ومتى شعرت بالتعب فدع القراءة أو العمل، حتى تستجم ثم ارجع إلى عملك ولا تهمل جانب الفكر والتصوير وحسن التخييل.
هذه هي الطريقة ولا أرى لك خيرا منها، وإذا رزقت التوفيق فربما بلغت مبلغا في سنة واحدة:
وأولا رأيك أن تستفيد وآخر رأيك أن تجتهد
هذا بيت عرض لي الآن فربما كان خلاصة الوصية.
... وفي الختام أرجو أن توفق بما تحاول.
والسلام.
الرافعي
¥