وفي كتابكم فصولٌ:
فأمّا الكلامُ عن الكتّابِ والشعراءِ فلهُ وقتٌ يأتي – إن شاءَ اللهُ – بعد أن يفرغَ الذرعُ لما هو أهمّ وأولى بالتقديم ِ.
وإنّي أستشفُ من كتابكَ أنّكَ لا ترى صورتي من نفسكَ إلا في تقويمٍ فلكيّ، فمتى ذكرتني قلتَ هو الآن يوشكُ أن يلقي قلمهُ من آخرِ صفحةٍ في كتابِ الشعراءِ، وفي شهرِ كذا يكونُ قد أنجزَ ... وفي كذا يكونُ قد أنهى وهلمّ من هذا التنجيم ِ، فأنا أريدُ أن أعملَ كثيراً، ولكنّي أضجرُ وأمرضُ وأجدُ من العوائقِ أكثرَ ممّا أجدُ من الإرادةِ، وفي الثلاثةِ الأشهرِ الأخيرةِ مرضتُ نحو ثلثيها، فتركتُ المساكينَ وغيرَ المساكينِ واهتممتُ لنفسي.
ثمّ إنّ هذا الكتابَ " المساكين " سيتأخرُ أكثرَ ممّا قدّرتُ لهُ، ولا حيلةَ لي في ذلكَ ما دامت الدنيا كلّها تدورُ كالإعصارِ، وممّا يسرّكم أن مشيل بك لطف الله اشتركَ منه في مئةِ نسخةٍ مرةً واحدةً، ودفعَ ثمنها مع أنّي لم أطلبْ إليهِ، ولكنّ بعضَ الأصدقاءِ عرضَ لهُ بذلكَ.
فالكتابُ يتأخّرُ لا من ضعفٍ ولا من تقصيرٍ ولا من قلةٍ، ولكن لأنّ الأعمالَ لا بدّ أن تتأخرَ في مطابعنا، أو لأنّ كتابَ المساكينِ لا بدَّ أن يكونَ مسكيناً مثلهم ... فصبراً ... ، وأمّا الشيخُ علي فهو رجلٌ حقيقيٌّ كما وصف " البيانُ "، ولو رأيتهُ لاستولى على نفسكَ ولأعجبكَ من جنونهِ العقلُ كلّهُ ... .
وأمّا " ذكرى أبي العلاءِ " فلم أقرأهُ إلى الآن، ولا أنا أميلُ إلى قراءتهِ ولكنّي اطّلعتُ على فصلينِ قصيرينِ، أحدهما عن بغداد في " المقطمِ "، والثاني عن نشأةِ المعرّي في مجلةِ " فتاةِ الشرقِ ".
فإن كان كل ما في الكتابِ على هذا النمطِ فليسَ في الكتابِ إلا ... فإنّ فصلَ بغداد منقولٌ ببعضِ التصرّفِ عن " معجمِ ياقوت "، ومع ذلكَ ففيهِ خطأ كبيرٌ، لأنّ ياقوت وصفَ أموراً تتعلقُ ببغداد في مواد مختلفةٍ من معجمهِ، وقصرَ طه في الاطلاعِ عليهِ، ومن هنا تطرّقَ إليهِ الخطأ.
والفصلُ الآخرُ حشفٌ وسوءُ كيلةٍ – كما يُقالُ – لأن آراءِ المؤلفِ ضعيفةٌ واهيةٌ، ويخيّلُ إليّ أنَ أكبرَ غرضهِ في هذا التأليفِ أن يجيءَ بكلامٍ كثيرٍ يخرجُ في مجلدٍ ضخمٍ، فهو يزن الكلامَ بالرّطلِ ... ومع ذلكَ فربّما كان الكتابُ مفيداً وربّما كان جيّداً، ولكنّ الفصلينِ اللذينِ وقفتُ عليهما لا شيءَ ولا شيءَ.
ولا يمكنكم أن تظفروا بكتابِ " الفلسفةِ النظريةِ " إلا من بيروت ... وهذا الكتابُ عميقٌ يحتاجُ إلى كدِّ الفكرِ، على أنّهُ لم يطبعْ كلهُ لأنّهُ 12 جزءاً، طُبعَ منه سبعةُ أجزاءٍ على ما أتذكرُ.
أختمُ بطيبِ التحيّاتِ- إنّي كسولٌ في هذه الأيامِ وأراني في حاجةٍ إلى الكسلِ أيضاً -.
والسلامُ عليكم ورحمة الله.
من الداعي مصطفى صادق الرافعي
11 – ما أصابهُ من تعبٍ في إعجازِ القرآن
طنطا في 28 مارس سنة 1916
أيّها الأخُ:
السلامُ عليكم .... ،
أمّا قطعةُ " زهرِ الربيعِ " فإنّي أريدُ كتابتها ولكن متى جاءَ وقتها، وهذا الوقتُ لا أدري متى هو، فإنّي لا أكتبُ عندما أريدُ، ولكن يضطرني الموضوعُ نفسهُ إلى الكتابةِ فيهِ.
وأحبُّ أن أعلمكم – وحدكم – أنّ كتابَ " المساكين " لا يزالُ منه فصلٌ لمّا يكتبْ، لأنّ الأشهرَ الماضيةَ كانت كثيرةَ الأمراضِ عليَّ كما أعلمتكم من قبلُ، وأمراضي كلّها عصبيةٌ وقد ترادفتْ منذُ فرغتُ من الجزءِ الثاني من " التاريخِ "، لأنّي تعبتُ فيهِ إلى أقصى ما يتحمّلُ جسمي وعقلي.
ولذلك تراني أكتبُ يومينِ أو ثلاثة، ثمّ أضطرُ إلى تركِ الكتابةِ عشرة أيّامٍ أو أكثر، مع أنّ جسمي – والحمد لله – غيرُ ضعيفٍ ولكن أعصابي قد تأثرتْ من دماغي كثيراً، ذكرتُ لكم كلَّ هذا لكيلا تستعجلوا " بالمساكين " ولا تسأموا الانتظارَ.
والسلامُ عليكم ورحمة الله.
مصطفى صادق الرافعي
12 – رأيهُ في كتب المنطقِ والبلاغةِ وفي " المنفلوطي "
طنطا في 16 أبريل سنة 1916
أيّها الأخُ:
السلامُ عليكم،
¥