والخلاصةُ: أنّ " المنفلوطي " يُحسنُ أن يكتبَ ولكنّ الكتابةَ غيرُ الدرسِ، وما الذي يكتبُ الحكمَ كالذي يُصدرَ الحكمَ.
فألحّوا على الشيخِ " البرقوقي " أن يستوفيَ مقالاتِ الأدبِ العصريِّ فإنّي لم أرَ خيراً منها.
كنتُ ذكرتُ لكم أنّ في " المساكين ِ " فصلاً لم يُكتب، فقد كُكتبَ – والحمدُ للهِ – وأنا مُجدٌّ في إظهارهِ، واللهُ المُستعانُ.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتهُ.
الداعي مصطفى صادق الرافعي
13 – رأيه في " البارودي "
طنطا في 5 يوليو سنة 1916
أيّها الأخُ الفاضلُ:
السلامُ عليكم ..... ،
وأمّا الباروديُّ فقد كان نابغةَ دهرهِ الذي نشأ فيهِ، ولم يكنْ في عصرهِ – أي من اربعينَ سنةٍ – أحدٌ يساويهِ، وكانت ابنتهُ قد شرعت في طبعِ ديوانهِ، ورأيتُ منه ملزمةً من خمسِ سنواتٍ، وكانت هذه الملزمةُ في حرفِ الراءِ وآخرها ص 256، فإلى ذلك العهدِ كان قد طبعَ من الديوانِ 256 صفحةً ... فهذا قدرٌ كبيرٌ، ومع ذلك فقد كان الطبعُ في القوافي التي على الراء، على أنّ الرجلَ أخبرني أنّ شعرهُ قليلٌ، وربّما لا يتجاوزُ اربعةَ آلافِ بيتِ، ولا أدري كيف هذا؟.
ولو كانت عندي تلك الملزمةُ لأعطيتها لكم، ولكنّي مزّقتها من يمئذ لأني قليل المبالاة بالشعر ... على أنك تجد نحو 200 بيت من أحسن شعر البارودي في الجزء الثاني من كتاب " الوسيلة الأدبية " للمرصفي، وهو كتاب قديم، طبع من أربعين سنة، وكان " المرصفي " استاذ الرجل.
ولا تنسى أيضا أن تطلبَ قصيدته المسمّاة " كشف الغمة في مدح سيد الأمة "، وهي مطبوعة على حدة عارض بها بردة " البوصيري " – رضي الله عنه – وتبلغُ أربعمائة بيتٍ.
والكلام في البارودي وطريقة شعره طويل، وكنت كتبت عنه مقالة في مجلة " المقتطف " بعد وفاته وذلك بطلب من أصحاب " المقتطف "، ولكنّي لا أتذكّرُ في أي عددٍ هي.
وبالجملةِ فإن الرجل شاعر فحل مجوّد وإن كان ضيق الفكر ضعيف الحيلة في إبراز المعاني واختراعها.
هذا أختمُ بالسلام.
الداعي مصطفى صادق الرافعي
14 – جوابات عن ألفاظ المتكلمين وأهل البلاغة
(منع الجاحظ أن يستعمل الخطيب إذا كان متكلّماً ألفاظ المتكلّمين إذا عبر عن شيء من صناعة الكلام واصفا أو مجيبا وحرّم العسكري على الأديب استعمال تلك الألفاظ في أي غرض، وأوجب ابن الأثير على الكاتب أن يعرف مصطلحات كل صناعة وأن يلم بكل علم وفن، فسألتُ شيخنا الرافعي - رحمه الله – عن هذه الآراء الثلاثة، وسألته كذلك عمّا أخذه ابن الأثير على الصابيء من أنه يرادف السجع في المعنى الواحد، ثم رغبتُ إليه أن يفضي برأيه فيما ذكرهُ المنفلوطي – رحمه الله – من أن الشعرَ الجاهلي شعر ساذج، فجاءني هذا الجواب الشامل):
أيها الأخ:
السلامُ عليكم ورحمة الله ... وبعدُ،
فإنه يسرني أن أعرف لكم هذه العناية بالأدب والتوفر عليه، ولعلكم واجدون فيه شيئاً من التعزيةِ عمّا ترونهُ في حادثاتِ الدهر من سوء الأدبِ ... أما الأسئلة فإني مجيبكم عنها بإيجاز ولو أعان الله على إظهارِ ما بقي من أجزاء " تاريخ آداب العرب " لرأيتم فيه الجواب مطولاً مبسوطاً.
أما كلام " الجاحظ " فصحيح لأنه يريد بالمتلكم الرجل من أهل الجدل وعلماء الكلام وهذا اذا هو استعمل ألفاظ صنعتهِ في مخاطبةِ الناس من أهله وجيرانهِ، أو الكتابة إلى من هو في حكمهم أو الخطابة عليهم كان ذلك مرذولا منه، وعد متكلفا، ودخل في باب الغريب الذي يسمونه " العي الأكبر "، ولكن الجاحظ لم يمنع ان يفيض المتكلم مع المتكلمين بمثل تلك الالفاظ بل هو نبه على ان ذلك محمود منه.
والأصل هو ما ورد في الحديث: ((خاطبوا الناس على قدر عقولهم))، وصاحب " المثل السائر " لا يرمي في كلامه الى ما أروده " الجاحظُ "، بل هو يريدُ أن يلم الكاتب بمصطلحات كل صناعة ويشارك في كل علم وفن، إذ يجد في ذلك مادة وربما احتاج إليها في توليد معنى او في الكتابة عن واحد من أهل تلك الصناعات او في ديوان من دواوين الإنشاء القديمة، والتي كانت تتناول أكثر أمور الدولة يمئذ ففيها كاتب الرسائل، وكاتب الخراج، وكاتب الحساب، وكتّاب آخرون، وكانت تلك أغراض الكتابة من حيث هي صناعة.
¥