أولاً: يحسُنُ ذكرُ مدلولِ الآيةِ المطابقِ، وهو أنها نازلةٌ في الكفارِ، وأنه يُستفادُ منها أنَّ من اتصف بهذه الصفةِ من المسلمينَ، فأنه يُلحقُ بحكم الكفارِ، ولكنْ كلٌّ بِحَسَبِه، فهذا كافرٌ كفراً محضاً، وهذا مسلمٌ عاصٍ وافق الكفارَ في هذه الصفةِ، واللهُ أعلمُ.
ثانيًا: إنَّ من سلكَ هذا الطريقَ، فإنه لا يصحُّ أنْ يقصِرَ الآيةَ على ما فسَّرَ به قياساً، ولو فعلَ لكانَ فِعْلُه تحكُّماً بلا دليلٍ، كما هو حالُ أهل البدعِ، والتَّحَكُّمُ لا يَعجزُ عنه أحدٌ.
ثالثًا: يلزمُ أن يكونَ بين معنى الآيةِ الظاهرِ وبين ما ذكرَه من الاستشهاد أو التفسيرِ قياساً ارتباطٌ ظاهرٌ، وإلاَّ كانَ الاستشهاد بالآية أو حملُها على التفسيرِ القياسيِّ خطأً.
وليعلم أنَّ الاستشهاد أشبهَ حكاية الأمثال التي يتمثَّلُ بها الناس في محاوراتهم، مع ملاحظة الفارقِ بين الأمرين كما سيأتي، فكم من الناس يتمثَّل بقول الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد
وخراش في هذا البيت كلب صيدٍ، وقد يحسبه السامعون اسم رجلٍ، والاستشهاد به على أنه كلب ليس يعني أبدًا أنَّ المستشهد عليه يكون كلبًا، فالمثل يُحكى كما قيل، ويستفاد منه في الأحوال المشابهة لأصل المثل، ولا يعني هذا التماثل في كل شيء.
غير أنَّ الاستشهاد بالآية القرآنية يلزم منه معرفة الأصل الذي تدلُّ عليه الآيةُ، وإلاَّ لما أمكن إدراك وجه الشبه بين المستشهَد به والمستشهَدِ عليه.
كما يلزم إثبات ذلك الأصل والقولَ به، ثمَّ الاستدلال به بعد ذلك، وهذا لا يلزم في المثلِ، فكم من مثل تنَزِّله على واقعة معيَّنة، وأنت لا تعرف أصل حكاية هذا المثلَ، ولا يضير هذا شيئًا إن كنت تعرف مكان ضربه، وهذا ما لا يتأتَّى مع آيات القرآن.
ومما يُنبَّه عليه هنا أنه لا يجوز الاستشهاد بالقرآن في مواطن الهزل، فهذا حرام لا يجوز القول به، ومثله الاقتباس الذي يعمله بعض الشعراء في شعرهم، فيدخلون مقطعًا من آيةٍ في مواطن هزلية أو غير لائقة بالقرآن، فيجب الحذر من ذلك؛ لنه من المحرمات، فالقرآن جِدٌّ كلُّه ليس فيه هزل، كما قال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) الطارق: 14
وأخيرًا، يجبُ أن يُعلمَ أنَّ هذا الاستشهاد أو حمل الآية على التفسير بالقياس أنه من التفسيرِ بالرأي، ولذا يلزمُ الحذرُ منه، والتأكُّدُ من صحةِ حملِ الآيةِ عليه.
ـــــــــ
* الحواشي:
(1) انظر الدر المنثور (7:445 - 446) وقد أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم والبيهقي، كما أورد السيوطي عدة آثار عن عمر بن رضي الله عنه في نفس المعنى (7:446 - 447).
(2) التبيان في أقسام القرآن، تحقيق طه شاهين ص 51
(3) ورد ذلك عن أبي أمامة، انظر تفسير الطبري. ط. الحلبي (28:86 - 87)
(4) الاعتصام للشاطبي، تحقيق محمد رشيد رضا (1:103)
(5) المحرر الوجيز، ط. قطر (6:386 - 387)
(6) نقل الطاهر بن عاشور هذه الجملة عن ابن عطية، ولم يعترض عليها، انظر: التحرير والتنوير (30:326 - 327)
(7) المحرر الوجيز، ط. قطر (10:122)
(8) هو ابن عطية.
(9) المُحرر الوجيز، ط. قطر (10:122)
(10) المحرر الوجيز، ط. قطر عند تفسير الآية.
(11) كذا وردت عند الشيخ، وفي هذا وهم لأنه جمع بين آيتين من سورتين مختلفتين فيهما القصة نفسها، والآيات التي تصلح لغرضه ما في سورة الشعراء من قوله تعالى: (واتل علهم نبأ إبراهيم .. ) إلى قوله: (قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون). الشعراء:69 - 74
(12) يقصد فكر المقلدين من الكفار الذين نزلت الآيات حاكية أمرهم في تقليد الآباء والرؤساء.
(13) أضواء البيان (7:490 - 491)
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=46
ـ[المسيطير]ــــــــ[17 - 03 - 04, 08:38 ص]ـ
مشايخنا الأفاضل /
جزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم وفي علمكم وجهودكم.
ـ[البدر المنير]ــــــــ[21 - 03 - 04, 01:39 م]ـ
الشيخ زياد حفظه الله، هل ممكن تفيدني من أين فهمت كلام عائشة رضي الله عنها كما ذكرت.
وجزاك الله خيرا
ـ[البدر المنير]ــــــــ[21 - 03 - 04, 11:30 م]ـ
بانتظارك ياشيخ زياد
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[22 - 03 - 04, 12:58 ص]ـ
الاخ الفاضل البدر المنير:
أصل كلام عائشة هو في خلق افعال العباد للبخارى رحمه الله وقد ذكر ذلك ابن حجر وتمام كلامها يدل على مقصودها رضى الله عنها وابيها وارضاهم.
وقد ذكر ابن حجر بقية الروايات ومن كلامها:
يا عبيد الله بن عدي لا يغرنك أحد بعد الذين تعلم فوالله ما احتقرت من أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم النفر الذين طعنوا في عثمان ... فأذا رأيت عمل امرئ مسلم فقل: (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون .. ). ولايستخفنك عمل أمرئ أحد.
أي لاتغتر بعمل مسلم ظاهره العباده والورع , فحمل كلام عائشه رضى الله عنها على سياق الاية الموافق للظاهر أولى.
والله أعلم.
¥