هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أن راودته التي هو في بيتها عن نفسه أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.
ـ[أبوخليفة]ــــــــ[08 - 06 - 05, 10:20 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم، واصل وصلك الله بكل خير
وائذن لي أضيف ما ذكره العلامة السعدي -رحمه الله- تحت تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام:
"قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير
فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به"
قال -رحمه الله-:
"واختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحصر المذكور، في هذه الآية، مع أن ثَمَّ محرمات لم تذكر فيها، كالسباع، وكل ذي مخلب من الطير ونحو ذلك.
فقال بعضهم: إن هذه الآية، نازلة قبل، تحريم ما زاد، على ما ذكر فيها. فلا ينافي هذا الحصر المذكور فيها، التحريم المتأخر بعد ذلك، لأنه لم يجده فيما أوحى إليه في ذلك الوقت.
وقال بعضهم: إن هذه الآية مشتملة على سائر المحرمات، بعضها صريحا، وبعضها يؤخذ من المعنى وعموم العلة. فإن قوله تعالى في تعليل الميتة والدم ولحم الخنزير، أو الأخير منها فقط: " فَإِنَّهُ رِجْسٌ " وصف شامل لكل محرم. فإن المحرمات كلها، رجس، وخبث، وهي من أخبث الخبائث المستقذرة، التي حرمها الله على عباده، صيانة لهم، وتكرمة عن مباشرة الخبيث الرجس.
ويؤخذ تفاصيل الرجس المحرم، من السنة، فإنها تفسر القرآن، وتبين المقصود منه.
فإذا كان الله تعالى، لم يحرم من المطاعم، إلا ما ذكر، والتحريم لا يكون مصدره، إلا شرع الله - دل ذلك على أن المشركين، الذين حرموا ما رزقهم الله، مفترون على الله، متقولون عليه ما لم يقل.
وفي الآية احتمال قوي، لولا أن الله ذكر فيها الخنزير. وهو:
أن السياق في نقض أقوال المشركين المتقدمة، في تحريمهم لما أحله الله، وخوضهم بذلك، بحسب ما سولت لهم أنفسهم، وذلك في بهيمة الأنعام خاصة.
وليس منها، محرم إلا ما ذكر في الآية: الميتة منها، وما أهل لغير الله به، وما سوى ذلك، فحلال.
ولعل مناسبة ذكر الخنزير هنا، على هذا الاحتمال، أن بعض الجهال، قد يدخله في بهيمة الأنعام، وأنه نوع من أنواع الغنم، كما قد يتوهمه جهلة النصارى وأشباههم، فينمونها، كما ينمون المواشي، ويستحلونها، ولا يفرقون بينها وبين الأنعام
ـ[أبوخليفة]ــــــــ[08 - 06 - 05, 10:25 ص]ـ
وقد أشار -رحمه الله- أيضا في آية الأنعام هذه فيما حرمه الله على الأمة، والآية التي بعدها في ذكر ما حرمه الله على اليهود، وهي قوله تعالى:
"وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون"
أشار -عليه الرحمة والرضوان- إلى الفرق بين ما حرمه الله على هذه الأمة وبين ما حرمه على اليهود،
فهذه الأمة المرحومة حرم الله عليها الرجس لقوله تعالى في الآية: "فإنه رجس"
وأما اليهود فحرم عليهم بعض الطيب عقوبة لهم ونكالا، ولذلك قال: "ذلك جزيناهم ببغيهم"
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[12 - 06 - 05, 05:26 ص]ـ
بارك الله فيكم
قال الله تعالى
" قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين * وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون * يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون * قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون "
قال السعدي:
فجمعوا بين الجهل والجزم، بأنها أضغات أحلام، والإعجاب بالنفس، بحيث إنهم لم يقولوا: لا نعلم تأويلها، وهذا من الأمور التي لا تنبغي لأهل الدين والحجا، وهذا أيضا من لطف الله بيوسف عليه السلام. فإنه لو عبرها ابتداء - قبل أن يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم، فيعجزوا عنها -لم يكن لها ذلك الموقع، ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب، وكان الملك مهتما لها غاية، فعبرها يوسف- وقعت عندهم موقعا عظيما، وهذا نظير إظهار الله فضل آدم على الملائكة بالعلم، بعد أن سألهم فلم يعلموا. ثم سأل آدم، فعلمهم أسماء كل شيء، فحصل بذلك زيادة فضله، وكما يظهر فضل أفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة، أن يلهم الله الخلق أن يتشفعوا بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم السلام، فيعتذرون عنها، ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها أنا لها" فيشفع في جميع الخلق، وينال ذلك المقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون والآخرون.
فسبحان من خفيت ألطافه، ودقت في إيصاله البر والإحسان، إلى خواص أصفيائه وأوليائه.
¥