فهذه الرحلة ليست من كتب التاريخ المعتبرة والمعتمدة، فضلاً عن مؤلفها الذي لم يكن معروفاً أنه من أهل الدراية والخبرة والعلم، وقد أثبت المحقق "حسن السائح" في تقديمه لكتاب (تاج المفرق في تحلية علماء المشرق) للشيخ خالد بن عيسى البلوي، أن ابن بطوطة ربما سمع باسم عالم من علماء البلد التي زارها؛ فيذكر اسمه في رحلته ولو لم يتصل به اتصالاً شخصياً، أو يقابله حقيقة، بل يستفيد مما سمعه، ويضمّنه رحلته، وكأنّه قابله أو شاهده، كما فعل في تونس حين ذكر علماً من أعلامها وهو ابن الغمّاز.
ومما يزيد الأمر وضوحاً .. أن رحلة ابن بطوطة تضمّنت أموراً يقطع العلم بكذبها، كما قال إنه زار بعض الجزر والبلدان التي فيها نساء ذوات ثديِ واحدة!!!
وبعض العجائب والخرافات التي حكاها في رحلته يقطع الإنسان بأنها مختلقة، ومجرّد أساطير يتناقلها الناس، ويسجّلها ابن بطّوطة وكأنّه شاهدها أو اتّصل بها!
.....
وإذا حققنا القول في ... كتاب الرّحلة، وأنصفنا مؤلّفه؛ فإنّنا قد نخلص إلى أنّ الكذب والتّلفيق والخرافات الموجودة في هذا الكتاب ليست من صنع ابن بطّوطة نفسه، بل من النّسّاخ، وهذا كثيرا ما يحصل، حتى الكتب السماوية السابقة قد دخلها من النسّاخ التحريف الكثير.
وقد نبه الحافظ الإمام ابن حجر إلى أن ابن بطوطة -رحمه الله- لم يكتب تفاصيل رحلته وإنما الذي كتبها وجمعها هو أبو عبدالله بن جزي الكلبي وهو من نمقها، وكان العلامة البلفيقي يتهمه بالكذب والوضع!!
وبالرجوع إلى نفس الرحلة نجد أن ابن جزي الكلبي يقول في المقدمة:
(ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبدالله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، موضحة للمعاني التي اعتمدها)!!!
ويقول في آخر الكتاب: (انتهى ما لخّصته من تقييد الشيخ أبي عبدالله محمد بن بطوطة).
وهذا يدل صراحة أن كتاب رحلة ابن بطوطة لم يصلنا بألفاظ مؤلّفه، بل الناقل نصّ على تدخّله في الألفاظ والكلمات ".
قال العاصميّ - عفا الله عنه -:
وحسب المنصف أن ينعم النّظر فيما افتراه وائتفكه على شيخ الإسلام ... وما أغرب به من وصف تفسير لم يخلق الله منه شيئا؛ ليتيقّن أنّه كاذب باهت مائن مفتر، يختلق الفشار ...
والذي يجتري على ذاك البهتان المبين؛ كيف يؤتمن ويصدّق فيما يرقمه من الأوابد الشّوارد؟!
وقد قال ذاك الفاضل الذي تقدّم نقلي عنه - قريبا -:
" وهذا المحقّق الدكتور "عليّ (بن) المنتصر الكتّانيّ" الذي حقق كتاب (رحلة ابن بطوطة) يقول عن هذه القصة: (هذا محض افتراء على الشّيخ - رحمه الله -؛ فإنّه كان قد سجن بقلعة دمشق قبل مجيء ابن بطّوطة إليها بأكثر من شهر، فقد اتّفق المؤرّخون أنّه اعتقل بقلعة دمشق لآخر مرّة في اليوم السّادس من شعبان سنة 726، ولم يخرج من السجن إلاّ ميّتاً، بينما ذكر المؤلّف - ابن بطوطة - في الصفحة 102 من كتابه أنّه وصل دمشق في التّاسع من رمضان)!! ".
قال العاصميّ - غفر الله ذنبه، وستر عيبه -:
فتأمّل كيف جزم محقّق رحلته بافترائه فيما زعم - مينا وبهتانا - أنّه عاينه ورآه!!
ورحم الله أبا البركات البلفيقي الذي أجمل حال ابن بطّوطة في قوله:
" هذا رجل لديه مشاركة يسيرة في الطلب، رحل من بلاده إلى بلاد المشرق يوم الخميس الثاني من رجب عام خمسة وعشرين وسبع مية، فدخل بلاد مصر والشام والعراق، وعراق العجم، وبلاد الهند والسند، والصين ... وبلاد اليمن، وحج عام ستة وعشرين وسبع مية. ولقي من الملوك والمشايخ عالماً، وجاور بمكة، واستقر عند ملك الهند؛ فحظي لديه، وولاّه القضاء، وأفاده مالاً جسيماً، وكانت رحلته على رسم الصوفية زيّا وسجيّة، ثم قفل إلى بلاد المغرب، ودخل جزيرة الأندلس، فحكى بها أحوال المشرق، وما استفاد من أهله؛ فكذب ...
(وقال): لقيته بغرناطة، وبتنا معه ببستان أبي القاسم بن عاصم ... وحدّثنا في تلك اللّيلة وفي اليوم قبلها عن البلاد المشرقيّة وغيرها، فأخبر أنّه دخل الكنيسة العظمى بالقسطنطنيّة العظمى، وهي على قدر مدينة، مسقّفة كلها، وفيها اثنا عشر ألف أسقف ".
نقله تلميذه ابن الخطيب في إحاطته، ثم ّ قال: " وأحاديثه في الغرابة أبعد من هذا، وانتقل إلى العدوة، فدخل بلاد السّودان، ثم تعرّف أن ملك المغرب استدعاه، فلحق ببابه، وأمر بتدوين رحلته ... ".
ومن نافلة القول: التّنبيه على أنّ هذا الباهت المائن، خرافيّ جلد، يتتبّع المشاهد والقبور، ويتبرّك بالأموات، أسأل الله - جلّ في علاه - أن يعصم كلّ مسلم من تقحّم هذه المقحمات ...
ـ[أبو توفيق]ــــــــ[11 - 11 - 05, 10:51 م]ـ
بوركت يا عاصمي ...
ـ[العاصمي]ــــــــ[11 - 11 - 05, 11:02 م]ـ
بارك الله فيك وعليك، أخي الفاضل أبا توفيق.
حللت أهلا، و نزلت سهلا.
مرحبا بك بين إخوانك؛ مفيدا و مستفيدا.
في انتظار مشاركاتك النافعة.
¥