تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال السمين الحلبي رحمه الله: (وقرأ الجمهور "غلْف" بسكون اللام، وفيها وجهان:-

أحدهما:-وهو الأظهر- أن يكون جمع أغلف، كأحمر وحُمْر، وأصفر وصُفْر، والمعنى على هذا: أنها خلقت وجعلت مغشّاة لا يصل إليها الحق .....

والثاني: أن يكون جمع غلاف، ويكون أصل اللام الضم، فخفف، نحو: حمار وحُمُر، وكتاب وكُتُب ... ). [باختصار من الدر المصون 1/ 500،501، بتحقيق أحمد الخراط، ومثله في اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 2/ 269].

وأما توجيه علماء التفسير واللغة والقراءات للقولين الذَين ذكرهما ابن القيم، وترجيحهم بينهما؛ فأكثرهم رجّحوا القول الذي رجحه ابن القيم وصوّبه.

وقد تعددت مسالكهم في ترجيح هذا القول:

فمنهم من رجحه بترجيح قراءة الجمهور، مع عدم تجويز القراءة الأخرى،كابن جرير –رحمه الله -.

ومنهم من اختاره وقواه باختيار قراءة الجمهور، مع عدم رد القراءة الأخرى، كالزجاج، والأزهري، وأبي الحسن الفارسي، وابن أبي زمنين.

ومنهم من قوّاه باعتبار أن "غلْف" جمع أغلف أشهر وأظهر من كونها جمع غلاف؛لأن الأول أكثر استعمالاً، والثاني وإن كان جائزاً فهو قليل. وممن ذكر هذا السمين الحلبي، وابن عادل.

ومن المفسرين من ذكر القول الذي رجحه ابن القيم واقتصر عليه، كابن جزي والقاسمي، وابن سعدي.

وقد صرّح بتصحيح ما صححه ابن القيم بيان الحق النيسابوري، حيث قال: ("غلْف" جمع أغلف، وهو الذي لا يفهم؛ كأن قلبه في غلاف ....

وقيل: "غلْف" أوعية للعلم، أي قلوبنا قد امتلأت من العلم، فلا موضع فيها لما تقول.

فالأول الصحيح؛ لأن كثرة العلم لا تمنع من المزيد، بل تعين عليه.) [باختصار من وضح البرهان في مشكلات القرآن لمحمود بن أبي الحسن النيسابوري 1/ 150 بتحقيق صفوان الداوودي، وقريب منه في كتابه الآخر إيجاز البيان عن معاني القرآن 1/ 110 بتحقيق د/علي العبيد.]

وذكر ابن القيم أنه سمع شيخ الإسلام ابن تيمية يضعف قول من قال: أوعية جداً، وقال: إنما هي جمع أغلف. [ذكر ذلك في بدائع الفوائد .... ].

وأما وجوه ترجيح القول الذي رجحه ابن القيم فهي:

1. تكرر نظائره في القرآن، كقوله تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ... َ) (فصلت:5).

وقد نص كلٌ من قتادة وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم على ذلك.

قال قتادة:"وقالوا قلوبنا غلف" هو كقوله: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ).

ونحوه عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم.

قال الشنقيطي –رحمه الله – في أضواء البيان: (فقول اليهود في هذه الآية "قلوبنا غلف" كقول كفار مكة:"قلوبنا في أكنة"؛ لأن الغلف جمع أغلف وهو الذي عليه غلاف، والأكنة جمع كنان، والغلاف والكنان كلاهما بمعنى الغطاء الساتر.) [7/ 109 - 110].

والقاعدة الترجيحية تنص على أنه: (إذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر حملناه عليه، ورجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال.) [التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي 1/ 15، وانظر تفصيل هذه القاعدة في كتاب قواعد الترجيح عند المفسرين للشيخ حسين الحربي 1/ 312 - 327].

2. ومما يرجح هذا القول أيضاً ما جاء في الحديث المرفوع عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح .... } الحديث، وفيه: وأما القلب الأغلف فقلب الكافر. [رواه الإمام أحمد ...... ، وذكره الطبري بسنده عن حذيفة موقوفاً عليه مقتصراً على موضع الشاهد، وصحح أحمد شاكر رواية الإمام أحمد المرفوعة. انظر مرويات الإمام أحمد في التفسير 1/ 79].

3. أن القراءة الدالة على هذا المعنى هي القراءة التي عليها جمهور القراء -كما سبق-، والقراءة التي تدل على المعنى الآخر قراءة شاذة. ولا شك أن معنى القراءات المتواترة أولى بالصواب من معنى القراءة الشاذة. [قواعد الترجيح 1/ 104]

4. ومن وجوه الترجيح أيضاً التي تدل على ترجيح ما رجحه ابن القيم أن القول المرجوح ليس له في القرآن نظير، ولا هو معروف في الإستعمال كما ذكر ابن القيم في كلامه السابق.

5. ومنها أن هذا القول هو قول أكثر المفسرين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم كما سبق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير