تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

6. ومما يرجح هذا القول من جهة التعليل ما ذكره بيان الحق النيسابوري بقوله – السابق نقله -: (فالأول الصحيح؛ لأن كثرة العلم لا تمنع من المزيد، بل تعين عليه.) اه.

وأما القول الآخر، وهو أن المراد بقوله تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أنها أوعية للذكر والحكمة والعلم، فلا تحتاج إلى ما جاء به محمد؛ فلم أرَ أحداً من المفسرين رجحه.

وأحسن أحواله عند بعضهم أن يذكره قولاً آخر بعد الأول من غير أن يشير إلى ضعفه.

ويمكن أن يتقوى هذا القول ببعض الوجوه:

منها: أن المعنى الذي يؤخذ منه قد جاء في آية أخرى، وهي قوله تعالى:) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ .. ) (غافر:83). [أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره ...... ، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ 3/ 203]

ومنها: ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس، أنه كان يقرأ "قلوبنا غلُف" مثقلة: أي كيف نتعلم وقلوبنا غلف للحكمة: أي أوعية للحكمة. [أخرجه الطبراني في الأوسط رقم 4636 (5/ 47) وفيه سليمان بن الأرقم،وهو متروك].

النتيجة

نخلص مما سبق إلى قوة القول الذي رجحه ابن القيم –رحمه الله- وصوّبه،وهو أن المراد بقوله تعالى: "قلوبنا غلف" أي قلوبنا في أوعية وأغطية، وعليها غشاوة، فلا تعي ولا تفقه ما تقول.

فلا شك أن هذا القول أقوى وأقرب إلى الصواب من القول الآخر، وهو أن المراد: قلوبنا أوعية للعلم والحكمة، فهي ليست بحاجة إلى ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

غير أنه – وبعد تأملٍ في القولين – يمكن أن يجمع بينهما؛ إذ ليس بينهما تعارض بحيث يلزم من إثبات أحدهما بطلان الآخر.

وصورة الجمع أن يقال: إنهم زعموا أن قلوبهم في أغطية وأوعية، وعليها غشاوة فهي لا تعي ولا تفقه ما تقول، وهي مع ذلك أوعية للعلم والحكمة، فليست بحاجة إلى ما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم -، أو هي أوعية للعلم تعي ما تُخاطب به، ولكنها لا تفقه ما يتحدث به الرسول؛ فلو كان ما يقوله حقاً لوعته قلوبهم.

وبهذا الجمع تجتمع أقوال المفسرين، وتفيد الآية أكثر من معنى.

والآية جاءت في سياق ذكر نقائص اليهود وصفاتهم الذميمة وأفعالهم الشنيعة؛ ولا شك أن تعدد صفاتهم المذمومة وتنوعها أبلغ في ذمهم.والله أعلم بمراده، وهو الموفق للصواب من شاء من عباده.

ومن العلماء من جمع بين القولين بطريقة أخرى، وهي أن يحمل كل معنى على قراءة.

قال السيوطي -رحمه الله- بعد أن ذكر القولين في الآية: (والقولان عن ابن عباس، وليسا باختلاف، بل الأول على قراءة "غلْف" بسكون اللام جمع أغلف أي في غلاف، والثاني على قراءة ضم اللام، جمع غلاف.) اه [من كتاب قطف الأزهار في كشف الأسرار للسيوطي (1/ 287،288) تحقيق د /أحمد الحمادي. إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – دولة قطر 1414ه.]

وعلى هذا لا يعد القولان من باب الإختلاف؛ لأن كل معنى يرجع إلى قراءة، فالقراءتان كالآيتين. [وذكر مثل هذا الجمع صاحب كتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد (1/ 333) حيث قال: فالمعنى مختلف باختلاف اللفظ. اه]

تنبيهات وفوائد

التنبيه الأول: في نوع الخلاف وثمرته:-

من خلال ما سبق من ذكر أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى: "وقالوا قلوبنا غلف" _ وهي في مجملها راجعة إلى المعنيين الَّذين أوردهما ابن القيم رحمه الله، وبناء على ما سبق تقريره في آخر النتيجة التي توصلت إليها من الجمع بين الأقوال فإن هذا الخلاف الوارد في عبارات المفسرين يمكن أن يجعل من اختلاف التنوع الذي يرجع اختلاف الأقوال فيه إلى أكثر من معنى، ولكنها غير متعارضة ولا متضادة.

وعليه فإن ما رجحه ابن القيم وصوبه يدخل في باب الإختيار لا الترجيح؛

وإن كان عنده- رحمه الله- من باب الترجيح. والله أعلم.

تنبيه: الفرق بين الإختيار والترجيح أن الإختيار تقوية أحد الأقوال مع عدم رد القول الآخر لأن له حظاً من القبول مع عدم معارضته للقول الأقوى.

والترجيح: اعنبار أحد الأقوال ورد الأقوال الأخرى لضعفها.

وهو اصطلاح سأسير عليه في دراسة هذه المسائل؛ وقد لا يراه غيري؛ ولا مشاحة في الإصطلاح.

ـ[هيثم حمدان.]ــــــــ[10 - 12 - 02, 03:46 ص]ـ

أحسن الله إليك وبارك فيك وفي علمك.

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[11 - 12 - 02, 04:45 م]ـ

ستكون الدراسة القادمة إن شاء الله حول كلام ابن القيم عن قوله تعالى: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) حيث تعرض ابن القيم -رحمه الله- لمعنى (نقدس لك) في سياق حديثه عن معنى اسم الله:"القدوس"

فذكر أن هذا الاسم يعني أن الله هو المنزه عن كل عيب، وعن كل ما لا يليق به. وذكر أن أصل الكلمة من الطهارة والنزاهة. ثم قال:

(ومنه قول الملائكة: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) فقيل المعنى: ونقدس أنفسنا لك، فعدّى باللام، وهذا ليس شيء.

والصواب أن المعنى: نقدسك وننزهك عما لا يليق بك، هذا قول جمهور أهل التفسير.)

إلى أن قال: (وقال بعضهم: ننزهك عن السوء فلا ننسبه إليك، واللام فيه على حدها في قوله: (ردف لكم) [النمل:72]؛ لأن المعنى تنزيه الله لا تنزيه نفوسهم لأجله.

قلت: ولهذا قرن هذا اللفظ بقولهم: (نسبح بحمدك)؛ فإن التسبيح تنزيه الله سبحانه عن كل سوء.) انتهى [شفاء العليل:2/ 510 - 511].

وانتظروا دراسة هذا الترجيح قريباً إن شاء الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير