يعتبر "الجهاد" أحد أركان الدولة الإسلامية التي ارتبط وجودها وانتصارها تاريخيا، بممارسته عمليا، وانهيارها وسقوطها بتركه والتخلي عن متطلباته وقيمه الدينية: الأخلاقية والإنسانية، ولعل هذا ما أشار إليه الحديث النبوي الذي رواه الطبراني بسند حسن عن أبي بكر الصديق مرفوعا: (ما تَرَكَ قومٌ الجهادَ إلاّ عمَّهُم اللهُ بالعذاب).
وهذا العقاب الإلاهي ظهر واضحا في تاريخ المسلمين عموما، وتجسد خصوصا في اجتياح بغداد من طرف المغول، وسقوط الخلافة العباسية وإقدام هولاكو على قتل آخر خلفائها المستعصم سنة (656ه / 1258م)، كما تجسد في سقوط الأندلس وتسليم غرناطة للأسبان الصليبيين سنة (897ه/ 1492م). وها هو في هذا العصر يتجسد في سقوط فلسطين، حيث لم يقتصر العذاب على الشعب الفلسطيني، وإنما عم كل العالم العربي تصديقا للحديث النبوي، ولذلك نجد المفسرين لقوله تعالى: (إلاّ تنفِروا يُعذِّبكُم عذاباً أليماً، ويستبدِل قوماً غيركُم، ولا تضرُّوه شيئاً). يقولون: (هذا تسخط عظيم على المتثاقلين عن الجهاد، المائلين عنه إلى الدنيا وشهواتها حيث أوعدهم الله بعذاب أليم مطلق، شامل لعذاب الدنيا باستيلاء العدو عليهم ونحوه، وعذاب الآخرة بالنار).
3_ قانون "إحباط الأعمال"
وكلمة "إحباط" لها مدلول لغوي إسلامي خاص، يقال: حبط العمل يَحبِطُ حَبطا وحُبوطا بمعنى ذهب سدى، وفسد، ولم يحقق ثمرته، وضاع كل المجهود الذي بذل فيه، وأحبَطَ عمله، أبطله.
هناك ستة أسباب وعوامل لظاهرة "الإحباط" حسبما يلي:
العامل الأول: "الإشراكُ بالله والردةُ عن الإسلام
وذكر في أحد عشر آية، منها قوله تعالى:
(أولئكَ لم يؤمنوا فأحبط اللهُ أعمالَهُم). (الأحزاب/ 19)
العامل الثاني: "موالاة النصارى واليهود
وذكر في آية واحدة مُندّدة بمرض هؤلاء الموالين للظلمة، وسوء مصيرهم بقوله تعالى:
(ياّيُّها الذينَ ءَامنوا لا تتخذوا اليهودَ والنصارى أولياءَ، بعضهم أولياءُ بعضٍ، ومن يتولَّهُم مِنكُم فإنَّه مِنهُم، إن اللهَ لا يهدي القومَ الظالمينَ، فترى الذينَ في قُلوبهم مرضٌ يسارعونَ فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ، فعسى اللهُ أن ياتي بالفتح أو أمرٍ مِن عندهِ فيصبحُوا على ما أسرُّوا في أنفسهِم نادمينَ، ويقول الذينَ ءَامنوا: أهؤلاء الَّذينَ أقسموا باللهِ جهدَ أيمانِهِم إنَّهُم لمعكُم، حَبِطت أعمالُهُم، فأصبَحوا خاسرينَ). (المائدة/51_52)
العامل الثالث: (النفاق)
وذكر في آية واحدة جامعة لأوصاف المنافقين بقوله تعالى:
(المنافقونَ والمنافقاتُ بعضُهُم مِن بعضٍ، يأمُرُون بالمنكرِ وينهونَ عنِ المعروفِ، ويقبضونَ أيديهُم، نسُوا اللهَ فنَسيَهُم إنَّ المنافقينَ هُمُ الفاسقونَ، وعدَ اللهُ المنافقينَ والمنافقاتِ والكفَّارَ نارَ جهنَّمَ خالدينَ فيها، هيَ حَسبُهُم، ولعنهمُ اللهُ ولَهُم عذابٌ عظيمٌ، كالّذينَ مِن قبلهِم، كانوا أشدَّ مِنكُم قوَّةً، وأكثرَ أموالاً وأولاداً، فاستمتعوا بخلاقِهِم (مذات الحياة) فاستمتعتُم بِخلاقِكُم، كما استمتعَ الذينَ من قبلكُم، بخلاقهِم، وخُضتم كالذي خاضوا، أولئكَ حَبِطت أعمالهُم في الدُّنيا والآخرةِ، وأولئك همُ الخاسِرونَ). (التوبة/67_69)
العامل الرابع: (التكبر في الأرض بغير الحق)
وذكر في آية واحدة جامعة لأوصاف المستكبرين في الأرض، بقوله تعالى:
(سأصرفُ عن ءَاتي الّذينَ يتكبَّرونَ في الأرضِ بغير الحقَّ، وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها، وإن يَروا سبيلَ الرُّشدِ لا يتَّخذوه سبيلاً، وإن يَرَوا سبيل الغيَّ يتَّخذوه سبيلاً، ذلك بأنَّهُم كذَّبوا بآياتنا، وكانوا عنها غافلين، والذين كذّبوا بآياتنا ولقاءِ الآخرة حَبِطت أعمالهُم، هل يُجزونَ إلاّ ما كانوا يعملونَ).
(الأعراف/ 146_147).
العامل الخامس: (الترف وحرص المترفين على نعيم الحياة)
وذكر في آية واحدة جامعة، ومُنددة بمصيرهم في قوله تعالى:
(من كانَ يريدُ الحياةَ الدنيا وزينتها نُوَفَّ إليهم أعمالهُم فيها وهم لا يُبخسونَ، أُولئك الذين ليسَ لَهُم في الآخرةِ إلاّ النّار، وحَبِطَ ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون). (هود/15_16)
العامل السادس: (مخاطبة الرسول، أو التحدث عنه بما لا يليق بجلال النُّبوَّة)
وذكر في آية واحدة، مؤكدة لمقام وقدسية النبوة بقوله تعالى:
(يأيُّها الذينَ ءامنوا لا ترفعُوا أصواتكُم فوق صوتِ النبيّ، ولا تجهروا لهُ بالقولِ كجهرِ بعضكُم لبعضٍ، أن تحبطَ أعمالكُم وأنتُم لا تشعرونَ). (الحجرات/2)
لكن هل يستطيع أحد من العرب والمسلمين اليوم أن ينكر أن بلده أو مجتمعه لا يزخر بأصحابها؟ وأن المتصفين بها ليسوا هم المسيطرين عليها؟
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[16 - 08 - 06, 07:05 ص]ـ
جزاك الله خيرا و بارك فيك شيخنا الكريم
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[10 - 12 - 06, 05:13 ص]ـ
للرفع ...
¥