وإني لأكثر التعجب: من جماعة من أكابر العلماء المتأخرين الموجودين في القرن الرابع وما بعده كيف يقفون على تقليد عالم من العلماء ويقدمونه على كتاب الله وسنة رسوله مع كونهم قد عرفوا من علم اللسان ما يكفى في فهم الكتاب والسنة بعضه فإن الرجل إذا عرف من لغة العرب ما يكون به فاهما لما يسمعه منها صار كأحد الصحابة الذين كانوا في زمنه وآله وسلم ومن صار كذلك وجب عليه التمسك بما جاء به رسول الله وآله وسلم وترك التعويل على محض الآراء فكيف بمن وقف على دقائق اللغة وجلايلها افرادا وتركيبا وإعرابا وبناء وصار في الدقائق النحوية والصرفية والأسرار البيانية والحقائق الأصولية بمقام لا يخفى عليه من لسان العرب خافية ولا يشذ عنه منها شاذة ولا فاذة وصار عارفا بما صح عن رسول الله وآله وسلم في تفسير كتاب الله وما صح عن علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمنه وأتعب نفسه في سماع دوادين السنة التي صنفتها أئمة هذا الشأن في قديم الأزمان وفيما بعده فمن كان بهذه المثابة كيف يسوغ له أن يعدل عن آية صريحة أو حديث صحيح إلى رأى رآه احد المجتهدين حتى كأنه أحد العوام الأعتام الذين لا يعرفون من رسوم الشريعة رسما.
فيالله العجب إذا كانت نهاية العالم كبدايته وآخر أمره كأوله فقل لي أي فائدة لتضييع الأوقات في المعارف العلمية فإن قول إمامه الذي يقلده هو كان يفهمه قبل أن يشتغل
بشيء من العلوم سواه ................... "
وكلام الشوكاني في هذا الموضع طويل ومفيدا جدا ولولا الخروج من سياق الموضوع لأوردته بتمامه."
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم:
وأما فقهاء أهل الحديث العامِلُون به، فإنَّ معظمَ هَمِّهِمُ البحثُ عن معاني، وما يُفسِّرُهُ من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم?كتاب الله، ومعرفة صحيحها وسقيمِها، ثم التفقه فيها?بإحسّان، وعن سُنَّةِ رسول الله وتفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسّان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السُّنة والزهد والرقائق وغيرِ ذلك، وهذا هو طريقة [الفقهاء المسترشدين] ومَنْ وافقهم من علماء الحديث الرَّبّانيين، وفي معرفة هذا شغلٌ شاغلٌ عن التَّشاغُل بما أُحدثَ من الرأي ممَّا لا يُنتفع به، ولا يقع، وإنَّما يُورِثُ التجادلُ فيه الخصوماتِ والجدالَ وكثرة القيل والقال. وكان الإمام أحمد كثيراً إذا سُئِلَ عن شيء من المسائل المولدات التي لا تقع يقول: دعونا منْ هذه المسائل المحدث ......
ويشهد لهذا قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهلُ اليمن، هُمْ أبرُّ قلوباً، وأرقُّ أفئدةً. الإيمان يمانٍ، والفِقه يمانٍ، والحكمة يمانيةٌ)
وهذا إشارة منه إلى أبي موسى الأشعري، ومن كان على طريقهِ من عُلَماء أهلِ اليمن، ثمَّ إلى مثل أبي مسلم الخولاني، وأُويس القَرَنيِّ، وطاووس، ووهب بن منبه، وغيرهم من عُلماء أهل اليمن، وكلُّ هؤلاء مِنَ العلماء الربانيين الخائفين لله، فكلهم علماءُ بالله يخشونه ويخافونه، وبعضُهم أوسعُ علماً بأحكام الله وشرائع دينه من بعض، ولم يكن تميُّزهم عن الناس بكثرة قيلٍ وقالٍ، ولا بحثٍ ولا جدالٍ.
وقال ابن رجب في فضل علم السلف على الخلف:
"وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن بالإيمان والفقه. وأهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم الذين سميناهم فيما سبق."
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[29 - 03 - 08, 02:12 م]ـ
ويقول الشوكاني أيضا في ترجمة ابن الوزير:
صاحب الترجمة لما ارتحل إلى مكة وقرأ علم الحديث على شيخه ابن ظهيرة قال للسيد ما أحسن يا مولانا لو انتسبت إلى امام الشافعي أو أبى حنيفة فغضب وقال لو احتجت إلى هذا النسب والتقليدات ما اخترت غير الإمام القاسم بن إبراهيم أو حفيده الهادي وبالجملة فصاحب الترجمة ممن يقصر القلم عن التعريف بحاله وكيف يمكن شرح حال من يزاحم أئمة المذاهب الأربعة فمن بعدهم من الأئمة المجتهدين في اجتهاداتهم ويضايق أئمة الأشعرية والمعتزلة في مقالاتهم ويتكلم في الحديث بكلام أئمته المعتبرين مع إحاطته بحفظ غالب المتون ومعرفة رجال الأسانيد شخصا وحالا وزمانا ومكانا وتبحره في جميع العلوم العقلية والنقلية على حد يقصر عنه الوصف ومن رام أن يعرف حاله ومقدار علمه فعليه بمطالعة مصنفاته فإنها شاهد عدل على علو طبقته فإنه يسرد في المسألة الواحدة من الوجوه ما يبهر لب مطالعه ويعرفه بقصر باعه بالنسبة إلى علم هذا الإمام كما يفعله في العواصم والقواصم فإنه يورد كلام شيخه السيد العلامة على بن محمد بن أبى القاسم في رسالته التى اعترض بها عليه ثم ينسفه نسفا بإيراد ما يزيفه به من الحجج الكثيرة التي لا يجد العالم الكبير في قوته استخراج البعض منها وهو في أربعة مجلدات يشتمل على فوائد في أنواع من العلوم لا توجد في شيء من الكتب ولو خرج هذا الكتاب إلى غير الديار اليمنية لكان من مفاخر اليمن وأهله ولكن أبى ذلك لهم ما جبلوا عليه من غمط محاسن بعضهم لبعض ودفن مناقب أفاضلهم ..... وهو إذا تكلم في مسألة لا يحتاج الناظر بعده إلى النظر في غيره من أى علم كانت
ويقول أيضا:
لا يشبه كلام أهل عصره ولا كلام من بعده بل هو من نمط كلام ابن حزم وابن تيمية وقد يأتى في كثير من المباحث بفوائد لم يأت بها غيره كاينا من كان.
¥