تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كثير من الناس غرضهم الإفساد، فهم لا يقصرون في إفساد العبد، بل يبذلون المحاولات الشديدة لإفساده؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام –: (وبطانة لا تألوه خبالاً) يعني أن هذه البطانة ليس تأثيرها عليه تأثيراً عشوائياً بمجرد وجودهم فقط، وإنما هم يخططون لإفساده، فهم يجتهدون ولا يتركون وسيلة لإفساده إلا سلكوها، ولذلك فإن هذه المسألة في غاية الخطورة؛ لأن هناك أناساً نذروا أنفسهم للشر، يندسون للإفساد، ويشتغلون ليلاً ونهاراً، كما قال –تعالى-: ((بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً)). ([16])

التاسعة عشر: أن النفوس عند بعضها:

فبعض الصالحين قد تتوافق مشاعرهم وأحوالهم مع بعض، ومما يثير الانتباه: أن هؤلاء جاعوا معاً وخرجوا معاً بدون اتفاق، فكل واحد خرج من بيته ثم اتضح في النهاية أن سبب الخروج واحد عند الجميع، بدون سبق علم، ولهذا تجد الناس القريبين من بعض، كالأصدقاء والخلان أحياناً تتوافق مشاعرهم على شيء واحد.

العشرون: اختيار العمال والخدم الصالحين:

لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما اختار لأبي الهيثم خادماً اختاره بناءً على كونه رآه يصلي، فهو رجل صالح. فلو عرض على الإنسان خادمة تصلي وأخرى لا تصلي، أو سائق يصلي وآخر لا يصلي, أو موظف يصلي وآخر لا يصلي، فيختار الذي يصلي؛ لأن - الغالب - أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، نعم! قد يوجد كافر عنده أمانة، وآخر يصلي ولكنه خائن!! هذا لا شك موجود، ولكن المصلي أكثر أمانة من غيره، فعلى الأقل أن بينه وبين الله صلة: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)) ([17]) , فإذن انتقاء المصلين في الأعمال يؤخذ من هذا الحديث، ولا يعني هذا أنك لا تنظر إلى الصفات الأخرى فلا يكفي أن يكون مصلياً فقط، فقد يكون غشيماً لا يفهم، ولكن حاول أن يجمع بين الأمانة والذكاء والقوة كما قال –تعالى-: ((إن خير من استأجرت القوي الأمين)) ([18])، والأمانة تدخل فيها الصلاة؛ لأن الصلاة أمانة و (القوي): أي الخبير القادر، فاتضح بهذا أن على الإنسان أن يعتمد المصلي كأساس له، ويبحث أيضاً عن الصفات الجيدة في المصلي.

مسائل في الضيافة:

هذا الحديث اشتمل على مسألة الضيافة وما يتعلق بها، فلعلنا نشير إشارة سريعة إلى بعض الأمور المتعلقة بالضيافة:

أولاً: إكرام الضيف المسافر: إن إكرام الضيف من آداب الإسلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) ([19]) وضيافة المسلم المسافر المحتاج واجبة على النازل به مجاناً يوماً وليلة، فإذا نزل مسافر على رجل في طريق المسافرين، وله مزارع وبيت فإنه يجب عليك أن يبذل له ضيافة يوماً وليلةً مجاناً، على قدر الكفاية، وهذا الحق يمكن أن يطالب به عند القاضي، بمعنى أن يذهب إلى قاضي البلد ويقول: نزلت عند فلان في طريق السفر وأبى أن يضيفني مع أنه قادر، والقاضي يرغمه شرعاً على إضافته، فالضيافة هنا واجبة، ويأخذ القاضي من صاحب المكان مالاً بقدر الضيافة، ولو بغير إذنه، ويعطيه للضيف. ويسن أن يكرمه يوماً وليلةً ثانية وثالثة، فالواجبة الأولى، والثانية والثالثة مستحبة، وبعد الثلاثة الأيام من حقه أن يسرحه، ولا يجوز الإثقال على الإنسان بأن يرقد عند الضيف أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه) ([20])، أي لا يجوز للضيف أن يقيم عند صاحب البيت بعد ثلاثة أيام، من غير استدعاء من صاحب البيت، ومن الناس من يسكن مكة والمدينة، فيأتي إليهم ناس من الخارج، ويجلسون عندهم أسبوعاً أو عشرة أيام، أو شهراً، فهذا ضيف ثقيل دم، لأن هذا المكث حرام وفيه إحراج، إلا إذا كان الإنسان تطيب نفسه للضيف ويأنس به، ويرغب منه أن يجلس عنده، أما أن يأتي ويجلس ويضع عنده أولاده وأهله فهذا من سوء الأخلاق وسذاجة النفس ودناءتها، فلا يجوز له أن يفعل ذلك. وكذلك فإن الإنسان يكرم من نزل عليه حتى علف الدابة، وكل ما يحتاجه الضيف على حسب القدرة والطاقة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير