إنّ هذه الدعوى الجريئة، والفرية الخطيرة لو صدرت عن شخص مجهول لقلنا جازمين إنّه لم يشم للعلم رائحة ولم يطلّع من التفسير على كتاب واحد، ولم يتأمل من السُنّة أي حديث ولو كان ضعيفاً أو موضوعاً!! لكن أن يتصدى لهذه الدعوى الغليظة شخص كالغزالي فهو أمر غاية في العجب، ونهاية في الغرابة!!
فكيف يكون تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي؟!!
دعونا من إعادة ذكر الأدلة التي تناهز الخمسين دليلاً على وجوب تغطية الوجه لعموم النساء، ونكتفي فقط بما يدّعيه كلُّ مبيحي السفور بأنّ النصوص الواردة في حجاب الوجه خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فنقول فهل كان تغطية عائشة رضي الله عنها التي مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ذات ثمان عشرة سنة فقط – أي أصغر من كثير من طالبات الجامعات التي يشير إليهن الغزالي – أقول هل كان تغطية عائشة لوجهها تطرفاً لا يقره الشرع الإسلامي؟! أليس حجاب أمهات المؤمنين – على الأقل – محلّ إجماع بين علماء الإسلام كافة؟!.
أفيجتمعون على تطرف لا يُقرِّه الشرعُ الإسلامي؟! وهل كانت أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – متطرفات؟! وهل كان نبيُ الرحمة والشفقة والعدل والوسط متطرفاً؟!
ثم قوله: (ولا ترتاح إليه اللوائح، والتعليمات المدرسية أو الجامعية) فأقول متى كانت اللوائح والتعليمات المدرسية أو الجامعية حاكمة على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؟
وهل ارتاحت تلك التعليمات واللوائح يوما ما إلى شريعة الإسلام؟ وهي التي استوردت بعجرها وبجرها من لوائح وتعليمات وقوانين أوربا؟!
أليس الذي استورد تلك التعليمات واللوائح والقوانين هو طه حسين وشرذمته إبان توليه منصب وزير المعارف في مصر وهو القائل بالحرف الواحد: (السبيل أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره وما يُحمد منها وما يُعاب) (الاتجاهات الوطنية 2/ 229)
ثم هل الطالبات في مدارس وجامعات مصر اكتفين بكشف الوجه والكفين أم حسرن عن الشعور والنحور، والأذرع والسيقان؟!
وهل هذا هو ما يقره الشرع الإسلامي؟!
أم تتفق فقط مع التعليمات واللوائح الغربية المستوردة؟!.
ثم قوله: (وما هو إلا شذوذ مظهري مريب)!!
فسبحان الله! أيكون التستر والتصون والعفاف شذوذاً مظهرياً مُريباً؟!
أيكون حجاب الوجه عن النظرات الجائعة، واللحظات الخائنة شذوذاً مظهرياً مريباً؟!
أيكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين) أي حال إحرامها كما رواه البخاري إقرار لغير المحرمة بالشذوذ المظهري المريب؟!
ومن العجيب المحير أن يجترئ الغزالي على التصريح بكلام مثل هذا في وقت أجمع العلماء كلهم – حتى مبيحو السفور على مشروعية النقاب وأنّه مستحب على الأقل!
فهل كلُّّ هؤلاء دعاة شذوذ مظهري مريب؟!
رحم الله الشيخ وغفر له فقد شطح قلمه بما أثلج صدور قوم لم يذرفوا عليه دمعة واحدة بعد موته أو يدعوا له بدعوة صادقة تنفعه في قبره!
أما مناقشة صاحب تحريم النقاب فهي مضيعة وقت مع دخيل على العلم، متطفل على موائده، لا يعرف له أصولاً، ولم يشم له رائحة، وحسبنا أنّه قول شاذ منحرف لم يُسبق إليه ولم يتابعه عليه أشد المتحمسين إلى السفور من علماء أو علمانيين!!
الشبهة السادسة:
ومن الشُبه أنّ الحجاب الشرعي عادة وعرف وليس تشريعاً!!
يقول د/عبد الحليم أو شقة في (تحرير المرأة 4/ 229): (صحيح أنّ الشارع حين وجد بعض النساء يلبسن النقاب ويألفنه، وأصبح عرفاً لهن لم ينكر عليهن، لكنه أيضاً لم يشرع استحسانه ولم يندب إليه ويحض عليه بل تركه تقديراً للعرف والإلف وتوسعة على الناس فيما ألفوه وتعارفوا عليه) بواسطة حجاب المسلمة فؤاد البرازي ص 17.
قلت: وهي امتداد [6] لافتراءات قاسم أمين القائل: (إنّ الشريعة ليس فيها نصٌ يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة، وإنّما هي عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها، وبالغوا فيها، وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها).
الجواب عن هذه الفرية والإفك المبين من وجوه:
الوجهُ الأول:
¥