الزعم بأنّ الشارع لم يشرع للنساء النقاب لا استحساناً ولا ندباً ولا حضاً زعمٌ غير مسبوق لا نعرف عالماً معتبراً قال به قبل أبي شقة، وهي من أشد أنواع الافتراءات فجاجة وجراءة!!
وقائله إما جاهل بعشرات النصوص من الكتاب والسُنّة الآمرة بحجاب الوجه أو مكابر لا يريد أن يعترف بخطأ مذهبه في السفور فيريد تمريره بطريقة تفتقد منهج البحث العلمي، وأصالة الحوار الفقهي الرصين.
وإلا فأين هو عن قوله تعالى: (((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) (الأحزاب:53).
أليس في هذه الآية أمرٌ بالحجاب التام، فضلاً أن تكون استحساناً أو ندباً أو حضاً عليه؟! وأين هو من قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)) (الأحزاب: 59).
الآية أليس لفظة (يدنين) أمراً دالاً على الوجوب والإلزام فضلاً عن أن تكون استحساناً أو ندباً أو حظاً؟
وإذا زعم أنها غير دالة على الحجاب فليجب عمّا ذكره في مواضع من كتابه بأنّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مأمورات بتغطية الوجه بدلالة هذه الآية؟!.
ولا داعي لسوق عشرات الأدلة التي تفرض حجاب الوجه فرضاً لا مجرد استحسان أو ندب أو حض في هذا المكان مرة أخرى.
الوجه الثاني:
أنّه في قوله هذا، خالف حتى القائلين بجواز السفور؛ فإنّ أشهر المعاصرين من العلماء المعتبرين وهو علّامة الشام ناصر الدين الألباني يرى استحباب حجاب الوجه، وإن لم يقل بوجوبه، فمن العجيب أن يستند أبو شقة إلى كثير من آراء الألباني حين توافق مزاعمه لكنه يتجاهلها تماماً حين تصطدم بآرائه الشاذة وفيما يلي نصّ كلام الألباني والذي يرى أن ستر الوجه ليس مجرد سائغ وجائز بل هو أفضل من كشفه فيقول: (لم يفتنا أن نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أنّ كشف الوجه وإن كان جائزاً فستره أفضل) جلباب المرأة المسلمة ص 28.
قلت: وقد ساق الألباني ثمانية أدلة شرعية صحيحة ثابتة تدل على أن حجاب الوجه،رغم إنكاره لوجوب الحجاب فلتراجع في جلباب المرأة المسلمة [7].
الشبهة السابعة:
ومن الشُبه والدعاوى المريرة ما ذكره الشيخ محمد الغزالي بقوله: (فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زيا من صميم الأزياء الجاهلية البائدة، التي عفا عليها الزمان، ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ولن يبقي فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي قاسم أمين). [8].
الجواب عن هذه الدعوى والفرية العظيمة من وجوه:
الوجه الأول:
هل المرأة في الجاهلية كانت متصونة أم متبرجة؟
لنستمع إلى القرآن وهو يحذر نساء الأمة من مشابهة نساء الجاهلية بقوله: ((وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33).
فأيهما نُصّدق القرآن الكريم، كلام رب العالمين، أم كلام الغزالي؟!
صحيح أنّ النساء في الجاهلية كان يُوجد منهن من تنتقب بل وتغطي وجهها عادة وتقليداً لكنّ السمة الغالبة هي السفور والتبرج ولذا نزل قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (سورة الأحزاب: 59).
وهي آية الحجاب كما قال ابن كثير وغيره، فإذا بمجتمع المدينة تنقلب نساؤه كالغربان من لبس الأكسية السوداء السابقة فهل كان فعل نساء الصحابة بعد نزول الحجاب يعد من أفعال الجاهلية البائدة؟!
ثم ما بال الشيخ ينتقد المرأة الجاهلية هنا لأنّها متنقبة متصونة ثم تراه ينبري مدافعاً عنها، مادحاً لها في مقالته التي هي بعنوان: (الجاهلية العربية أشرف) حيث يقول: (إنّ الجاهلية العربية الأولى كانت أشرف من جاهليات اليونان والرومان، لا سيما في الوضع الاجتماعي للمرأة .. إلى أن قال: (أما النظرة إلى المرأة والتشرف بصونها والاستقتال في حمايتها فخلق عربي لا يكاد الرومان أو اليونان القدامى يعرفون شيئاً عنه!! وتدبر قول عمرو بن كلثوم في معلقته
¥