والاعتبار ببلوغ العلم بالرؤية في وقت يفيد، فأما إذا بلغتهم الرؤية بعد غروب الشمس فالمستقبل يجب صومه بكل حال، لكن اليوم الماضي هل يجب قضاؤه؟ فإنه قد يبلغهم في أثناء الشهر أنه رؤي بإقليم آخر، ولم ير قريباً منهم، الأشبه أنه إن رؤي بمكان قريب، وهو ما يمكن أن يبلغهم خبره في اليوم الأول، فهو كما لو رؤي في بلدهم ولم يبلغهم.
وأما إذا رؤي بمكان لا يمكن وصول خبره إليهم إلا بعد مضي الأول فلا قضاء عليهم، لأن صوم الناس هو اليوم الذي يصومونه، ولا يمكن أن يصوموا إلا اليوم الذي يمكنهم فيه رؤية الهلال، وهذا لم يكن يمكنهم فيه بلوغه، فلم يكن يوم صومهم، وكذلك في الفطر والنسك .. ))]
إلى أن قال شيخ الإسلام [فالضابط أن مدار هذا الأمر على البلوغ لقوله ((صوموا لرؤيته)) فمن بلغه أنه رؤي ثبت في حقه من غير تحديد بمسافة أصلاً، وهذا يطابق ما ذكره ابن عبدالبر في أن طرفي المعمورة لا يبلغ الخبر فيهما إلا بعد شهر، فلا فائدة فيه، بخلاف الأماكن التي يصل الخبر فيها قبل انسلاخ الشهر، فإنها محل الاعتبار ... ))].
إلى أن قال [فتخلَّص: أنه من بلغه رؤية الهلال في الوقت الذي يؤدى بتلك الرؤية الصوم أو الفطر أو النسك، وجب اعتبار ذلك بلا شك، والنصوص وآثار السلف تدل على ذلك.
ومن حدد ذلك بمسافة قصر أو إقليم فقوله مخالف للعقل والشرع ... ] انتهى نقله من مجموع الفتاوى [25/ 103 – 111].
قال سمير: وإنما أطلت النقل من كلامه رحمه الله لنفاسته، وهو يخالف ما ذهب إليه في الاختيارات من اعتبار اختلاف المطالع، بينما نص هنا على أن العبرة هي في بلوغ العلم بالرؤية في الوقت الذي يؤدى فيه الصوم أو الفطر، بمعنى أنه لو بلغهم خبر الرؤية بعد ذلك لم يلزمهم قضاء ذلك اليوم، والله أعلم.
وعليه فإننا في هذا الزمان، نرى أن العلم بالرؤية يحصل للجميع في نفس الوقت عبر وسائل الإعلام، فما المانع من الاعتبار برؤية الآخرين، خاصة والقائلون بهذا هم من تقدم ذكرهم من الأئمة الأعلام؟
وليس في ذلك مخالفة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، إذ ليس فيه أن أهل المدينة بلغتهم رؤية أهل الشام لهلال رمضان قبل الصيام، فإن ذلك كان متعذراً في تلك الأزمان.
ثم إني أقول: لو نظرنا إلى القول الآخر، الذي حكى ابن عبدالبر رحمه الله، الإجماع عليه، وهو التباعد الكبير بين البلدان، مثل ما بين خراسان في أقصى الشرق، والأندلس في أقصى الغرب، أو ما نقله بعضهم في اختلاف المطالع مثل الشام والحجاز مثلاً، لوجدنا بأن هذا القول غير معمول به الآن، لا في هذه البلاد ولا في غيرها، بل المعمول به هو الحدود المصطنعة التي لا اعتبار بها في شرع ولا عقل.وقد نقلت لك كلام شيخ الإسلام، وإنكاره على من فرق في حكم الصوم والفطر بين رجلين، أحدهما في آخر المسافة من الإقليم الأول، والآخر في أول المسافة من الإقليم الذي يليه، فصارا متقاربين جداً.
وكذلك نقول فيمن فرق بين أهل نجران ونحوها وبين أهل اليمن، ومن فرق بين أهل تبوك ونحوها وبين أهل الأردن، في الصوم والفطر، بسبب تعدد الولايات واختلاف الأنظمة الحاكمة لهذه البلدان، في الوقت الذي توحد فيه " الرؤية " بين أقاصي المدن في الشمال والجنوب، والشرق والغرب، فبأي اعتبار كان هذا الوفاق وذاك الاختلاف؟
وحديث ابن عباس حجة على من سوى بين المتباعدين في المسافة لمجرد اتحاد الحكم والنظام، كما هو ظاهر، إذ إن ولاية معاوية رضي الله عنه شاملة للبلدان كلها، وليست خاصة بالشام وحدها.
وأدعو من ولاه الله هذا الأمر من أهل العلم أن ينظر في هذه المسألة من جهتين:
الأولى: تحقيق المصلحة في اجتماع كلمة المسلمين وتوحيد عبادتهم في الصوم والفطر والنسك، وقطع دابر الخلاف الذي يؤدي إلى الحيرة والشك والوساوس لدى العامة.
الثانية: أن مسألة " الرؤية " موكلة إلى أهل العلم والقضاء والفتوى في جميع الأقطار، والأمراء والرؤساء تبع لهم في ذلك، ولا أعلم أن أحداً من الرؤساء يعارض في اجتماع الكلمة في ذلك، بل الذي أظنه أن ذلك سيلقى قبولاً عندهم، لأنهم كعامة الناس قد يحصل عندهم لبس وحيرة عند اختلاف الرؤية.
¥