تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فطالما أن مسألة توحيد الرؤية ليس فيها محذور شرعي وقال بها من تقدم ذكره، وهي المشهورة في كتب الحنابلة، وفيها مصالح ظاهرة، فما المانع من الأخذ بها؟

وممن قال بهذا القول، سوى ممن تقدم، من المتأخرين الشوكاني وتبعه صديق حسن خان رحمهما الله.

قال في الروضة الندية شرح الدرر البهية [224 – 225].

[((وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة)) وجهه الأحاديث المصرحة بالصيام لرؤيته والإفطار لرؤيته وهي خطاب لجميع الأمة، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لجميعهم .. ] إلى آخر ما ذكره. وانظر نيل الأوطار [5/ 199].

وللشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله كلام طويل في شرح الزاد [6/ 308 – 312] على هذه المسألة، فإنه ذكر أربعة أقوال، ابتدأ بالقول المشهور في المذهب وهو اتحاد الرؤية، وذكر ما فيه من مصلحة اجتماع كلمة المسلمين. ثم ذكر الأقوال الأخرى واختار منها القول الثاني وهو الحكم باختلاف المطالع، وقوَّى القول الثالث وهو أن الناس تبع للإمام في الصوم والإفطار، وذكر أنه لو وجدت خلافة عامة للمسلمين وثبتت الرؤية في بلد الخليفة لزم من تحت ولايته في مشارق الأرض ومغاربها موافقته. كذا قال الشيخ رحمه الله، وقوله معارض لحديث ابن عباس معارضة ظاهرة، ثم إن الأمراء في زماننا تبع لأهل العلم في ذلك، وهذا ظاهر أيضاً.

وأختم كلامي بذكر مسألتين هامتين:

الأولى: أن الاعتبار في دخول الشهر إنما هو بالرؤية الشرعية لا بالحساب الفلكي، فلو بلغنا أن بلداً أعلن دخول الشهر وفق الحساب وعلم النجوم، كما هو حاصل اليوم في كثير من البلدان، فإن هذا غير معتبر شرعاً، وإنما العبرة بالرؤية وثبوتها حسب القواعد الشرعية ومنها عدالة الرائي للهلال.

وكلام أهل العلم قديماً وحديثاً في إنكار الاعتماد على الحساب الفلكي في دخول الشهر، مشهور، انظر على سبيل المثال مجموع فتاوى شيخ الإسلام [25/ 125 - …] وفتح الباري لابن رجب [3/ 67] والعمدة في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) متفق عليه.

الثانية: أننا وإن كنا نتطلع إلى اجتماع كلمة المسلمين في مثل هذه المسائل الفرعية، ونرغب من علمائنا وشيوخنا في أقطار الأرض في الوحدة والاتفاق، ونبذ الفرقة والاختلاف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فيما لا يكون مخالفاً لكتاب الله ولا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لمنهج وطريقة السلف، فإننا نرغب قبل ذلك ونتشوف إلى ما هو أعظم من ذلك بكثير، وهو اجتماع الكلمة على توحيد رب العالمين في العبادة والحكم والطاعة، وتوحيد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به ونهى عنه وأن نعلن ذلك على الملأ ونقوله في كل محفل، ولا نكتفي بالقول دون العمل، ولا بمجرد الشعارات والأعلام المرفوعة، ولا بمجرد الدعاء في القنوت وغيره بأن يعز الله دينه ويعلي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويحكم في الأرض شرعه، ثم نخالف ذلك في الواقع، أو نداهن ونكتم ما أمرنا بتبليغه وبيانه.

وتعجبني رسالة قرأتها للإمام العلامة محمد بن إبراهيم قدس الله روحه، قال رحمه الله جواباً لما طرحته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حول البحث في موضوع مواقيت أهلة رمضان والفطر والحج: [وأفيدكم أن هذه مسألة فروعية، والحق فيها معروف كالشمس. والفصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)). والخلاف في تطبيق مدلول هذا الحديث وغيره بتأويل – اجتهاداً أو تقليداً – مثل نظائره في المسائل الفروعية، وجنس هذا الاختلاف لابد منه في المسائل الفروعية، ولا يضر.

إنما الهام: هو النظر في الأصول العظام التي الإخلال بها هادم للدين من أساسه، وذلك: مسائل توحيد الله تعالى بإثبات ما أثبت لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل. وكذلك توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وكذا توحيد الاتباع والحكم بين الناس عند النزاع: بأن لا يحاكم إلا إلى الكتاب والسنة ولا يحكم إلا بهما. وهذا هو مضمون الشهادتين اللتين هما أساس الملة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بأن لا يعبد إلا الله ولا يعبد إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم.وأن لا يحكَّم عند النزاع إلا ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الحقيق بأن يهتم به وتعقد المجالس والمجتمعات لتحقيقه وتطبيقه. لذا لا أرى ولا أوافق على هذا المجتمع الذي هو بخصوص النظر فيما يتعلق بأهلة الصوم والفطر ونحوهما. وقد درجت القرون السابقة وجنس الخلاف في ذلك موجود ولم يروه من الضار، ولا مما يحوج إلى الاجتماع للنظر فيه. والسلام عليكم] الفتاوى [1096].

قلت: هذا ما أحببت إيضاحه فيما يتعلق برؤية الهلال والمسألة محل اجتهاد ونظر ولا إنكار فيها على من أخذ بقول معتبر من أقوال السلف، والله تعالى الموفق للصواب والهادي إلى سبيل الرشاد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير