بشّار بن بُرد بن يرجوخ. من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية وهو شاعر من أصل فارسي، وقد جعله أبو الفرج الأصفهاني في مقدمة الشعراء المحدثين، قال: "محلّه في الشعر وتقدمه طبقات المحدثين فيه بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محلّه."
كان بشار وأبوه برد من عبيد خيرة القشيرية امرأة المهلب بن أبي صفرة، وقد وهبت بُرداً لامرأة عُقيلية بعد أن زوجته، فولدت له امرأته بشاراً فأعتقته العقيلية.
وُلد بشار مكفوفاً ونشأ في موالي بني عُقيل فأخذ عنهم الفصاحة والبيان، ووُهب الملكة الشعرية، فأخذ يقول الشعر، وكان جل شعره مديحاً وهجاءً وغزلاً، وكان سليط اللسان في هجائه، وقد اجترأ على هجاء الأشراف والوزراء ورؤساء المذاهب وخصومه من الشعراء، بل إنه قال هجاء في الخليفة المهدي، وكان هذا الهجاء من دواعي قتله.
كان بشار متهماً في عقيدته، وقد رويت له أشعار في تفضيل إبليس على آدم والنار على الطين، ومن قوله في ذلك:
الأرض مظلمة والنار مشرقة
والنار معبودة مذ كانت النار
وكان يفحش في غزله، فنهاه المهدي عن التعزل بالنساء، وأخذ عليه فساد دينه وزندقته وقوله الشعر في المس بالدين الإسلامي. وكان المهدي يطارد الزنادقة ويأمر بملاحقتهم واستئصالهم، ومما زاد في نقمة المهدي عليه هجاؤه إياه، وله شعر يحرض فيه بني أمية على بني العباس ويهجو وزير المهدي والخليفة معه، قال:
بني أمية هبوا طال نومكم
إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
خليفة الله بين الزق والعود
فعزم المهدي على قتله لهجائه إياه ولشعره الماس بالعقيدة الإسلامية والدال على زندقته، فقدم إلى البصرة متعللاً بالنظر في أمورها، ولكن غرضه الحقيقي كان البطش ببشار، فلما بلغها سمع أذاناً في وقت الضحى، فسأل عن الأمر فإذا بشار يؤذن وهو سكران. فغضب المهدي وأحضره وأمر بضربه بالسوط، فضُرب سبعين سوطاً، ثم ألقي في سفينة حتى مات ([10]).
ـ 10 ـ
ابن الرومي
هو علي بن العباس بن جُريج، من أصل رومي (يوناني) ولذلك قيل له: ابن الرومي، شاعر مجيد من شعراء العصر العباسي، قال فيه ابن خلكان: "الشاعر المشهور، صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية".
أكثر شعره في الوصف، وقد أبدع في وصف مشاهد الطبيعة والمغنين والقيان والمآكل، وكان هجّاءً لا يكاد يسلم أحد من هجوه، وكان مضطرب المزاج، يتطير من مشاهد القبح، وربما لازم بيته أياماً لا يبارحه لئلا تقع عينه على جار له أحدب.
يذكر في سبب موته أنه كان يغشى مجلس القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد العباسي، وكان الوزير يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فأوعز إلى متولي طعامه أن يقتله بالسم، فأطعمه في مجلس الوزير خشكنانجة مسمومة [والخُشكنان كلمة فارسية معربة تطلق على ضرب من الطعام من دقيق الحنطة والسكر واللوز والفستق]، فلما أكلها أحسّ بالسُّم، فقام ليذهب، فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ فأجابه إلى الموضع الذي بعثتني إليه. فقال له الوزير: سلِّم على والدي. فأجابه ابن الرومي: ما طريقي على النار. وقد حاول الطبيب شفاءه من السم فلم يفلح، ويقال إنه أخطأ في معالجته فمات بعد أيام، وقال وهو يجود بنفسه:
غلط الطبيب عليّ غلطة مُورد
عجزت موارده عن الإصدار
والناس يلحون الطبيب وإنما
غلط الطبيب إصابة المقدار ([11])
ـ 11 ـ
أبو الطيب المتنبي
من الشعراء الذين جنى عليهم شعرهم وأدّى إلى مصرعهم شاعر العرب العظيم أحمد بن الحسين الملّقب بالمتنبي (303 ـ 354 هـ)، لادعائه النبوّة في بادية السماوة في مقتبل شبابه، فيما يذكر بعض من ترجموه.
¥