ومن الأدلة على ذلك؛ ما رواه الترمذي وصححه عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله r إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله r: الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبن سنن من كان قبلكم.
وخبر هذا الحديث أن المشركين كانت لهم شجرة يعتقدون فيها النفع والضرر، واعتقادهم فيها يشمل ثلاثة أشياء:
الأول: أنهم كانوا يعظمونها.
الثاني: أنهم كانوا يعكفون عندها.
الثالث: أنهم كانوا يعلقون بها الأسلحة رجاء نقل البركة من الشجرة إلى السلاح حتى يكون أمضى وحتى يكون خيره لحامله أكثر.
وفعلهم هذا شرك أكبر؛ لأنهم عظموها وعكفوا عندها والعكوف عبادة وهو ملازمة الشيء على وجه التعظيم والقربة، والثالث أنهم طلبوا منها البركة فصار شركهم الأكبر؛ لأجل هذه الثلاث مجتمعة الصحابة -رضوان الله عليهم- قالوا: يعني من كانوا حديثي عهد بكفر قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ظنوا أن هذا لا يدخل في الشرك وأن كلمة التوحيد لا تهدم بهذا الفعل، فقال رسول الله r: الله أكبر! إنها السنن، قلتم - والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}.
شبه -عليه الصلاة والسلام- المقالة بالمقالة، معلوم أن أولئك عبدوا غير الله، عبدوا ذات الأنواط، وأما أولئك فإنما طلبوا بالقول، والنبي -عليه الصلاة والسلام- شبه القول بقول قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ولم يفعلوا ما طلبوا، ولما نهاهم النبي r انتهوا، ولو فعلوا ما طلبوا لكان شركا أكبر، لكن لما قالوا وطلبوا دون فعل صار قولهم شركا أصغر؛ لأنه كان فيه نوع تعلق بغير الله -جل وعلا-.
لذلك، فإن من تمسح أو تبرك بشجرة أو حجر أو ما شابه، بجعله سببًا دون أن يعتقد فيه النفع أو الضر فقد أشرك شركًا أصغر، أما إذا تعلق قلبا بهذا المتمسح به، أو المتبرك به، وعظمه ولازمه، واعتقد فيه النفع والضر، أو أنه وسيلة إلى الله عز وجل فإن هذا شركا أكبر.
عمر وشجرة الحديبية:
كما حرص رسول الله r على الحفاظ على عقيدة المسلمين وتجنب أية شبهة أو فعل يقدح فيها، فأرسل أصحابه إلى هدم الأوثان وقطع الأشجار التي كانت تعبد من دون الله عز وجل، كذلك فعل أصحابه والعلماء من بعده، روى ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 100) أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي r في غزوة الحديبية، وقد صحح ابن حجر هذا الأثر في فتح الباري (7/ 513) وقال: (ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر ... ).
وقال ابن وضاح (ص87) في كتابه البدع والنهي عنها: (سمعت عيسى بن يونس مفتي طرسوس يقول: أمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي r لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة). أ ـ هـ.
قال أبو بكر الطرطوشي في كتابه: [الحوادث والبدع] ص38 بعد أن ذكر حديث أبي واقد الليثي: (فانظروا رحمكم الله أيضاً أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمون من شأنها، ويرجون البر والشفاء من قبلها، وينوطون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها) أـ هـ.
وقال عبد الرحمن بن إسماعيل المعر وف بأبي شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع والحوادث] ص24: (ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبيناني رحمه الله تعالى ـ أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة ـ، حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد بن أبي العباس المؤدب أنه كان إلى جانبه عين تسمى: عين العافية، كانت العامة قد افتتنوا بها، يأتونها من الآفاق، من تعذر عليها نكاح أو ولد، قالت: امضوا بي إلى العافية فتعرف بها الفتنة، قال أبو عبدالله: فإنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها فخرجت فوجدته قد هدمها، وأذن الصبح عليها، ثم قال: اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأساً. قال: فما رفع لها رأس إلى الآن) اهـ.
ـ[أبو عبد الله فهد]ــــــــ[05 - 03 - 07, 11:51 م]ـ
السلام عليكم
لابد من التوعية و نشر العلم و البدء بالاقرب فالاقرب