ومع هذه الجوائز العظيمة فإن كثيرا من الناس أبوا إلا أن يحرموا أنفسهم منها وقبل أن أتحدث عن أسباب ذلك لعل من المناسب أن أتحدث عن كيفية استقبال الناس لهذا الشهر فإن الناظر في واقع الناس اليوم إزاء استقبال هذا الشهر الكريم يجدهم أصنافاً:
فصنف هم المؤمنون حقا رأوا فيه ما قدمنا من هذه الجوائز العظام، فكانونوا ينتظرونه بفارغ الصبر و يعدون الأيام والليالي عداً، حتى إذا جاء ذلك الشهر فرحوا بقدومه.
وصنف لا يرى فيه أكثر من حرمانٍ لا داعي له، وتقليدٍ لا مبرر له، بل قد يرفع عقيرته مدعياً أنه قيودٌ ثقيلة وطقوسٌ كليلة تجاوزها عصر الحضارة وتطور الثقافة وركب المدنية الحديثة.
وصنف لا يرى فيه إلا جوعاً لا تتحمله البطون، وعطشاً لا تقوى عليه العروق.
وصنف يرى فيه موسماً سنوياً للموائد الزاخرة باللذيذ المستطاب من الطعام والشراب، وفرصة سانحة للسمر والسهر واللهو إلى هجيعٍ من الليل، بل إلى بزوغ الفجر، عاكفين فيه على الفضائيات، وما تقذف به شتى القنوات، وما تعج به شبكات المعلومات.
فهذه الأصناف عد الصنف الأول هم الذين يخسرون هذه الجوائز وتلك البشائر وإذا أردنا أن نشخص أسباب الداء لنضع الدواء، فهناك عدة أسباب:
الغفلة ولها عدة مظاهر:
الغفلة عن الله: فالغفلة عن الله هي التي تصيب العقل بالشلل عن المعرفة، والقلب بالعطل عن الإدراك.
فهمُّ أهل الغفلة ملء بطونهم وإشباع شهواتهم، والتمتع بما تتمتع به الأنعام: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:17].
الغفلة عن أن هذا الشهر من أعظم مواسم الطاعات والتنافس في القربات: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] و أن الله عز وجل يجري فيه من الأجور ما لا يجري في غيره من الشهورفتراه يتعامل مع رمضان بحس بارد وشعور بليد.
الغفلة عن النية، وعدم احتساب الأجر فيه،وأنك تركت الطعام والشراب، والشهوات لله وحده؛ طلباً لرضاه، واستجابةً لأمره، لا تقليدا لغيرك، لا يهمك ولا يهمكِ أحد من الناس علم أو لم يعلم، فصومكِ وصومك لله، وخوفكِ وخوفك لله، فمن صام بهذه المعاني وجد حلاوة الصيام، وشعر بلذة رمضان، فأقدم فيه على الأعمال أيما إقدام وحصل ما فيه من الجوائز العظام أما من غفل عنها فهو لا يرى فيه إلا أنه تقليد موروث. ومن الأسباب: الغفلة عن الغاية من الصيام، فرمضان لم يكتبه الله عز وجل لأجل المشقة، ولا لأجل التعب، ولا لأجل التكليف فقط، بل قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]
فقد شرع الله الصيام لغاية الكبرى وهي حصول تقوى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه،
فالصائم الذي لم يحقق تقوى الله في صيامه قد خسر الثمرة من هذا الصيام وخسر جوائز رمضان ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) والمعنى من لم يترك الكذب والميل عن الحق فلابد من حفظ الجوارح وصيامها عن المعاصي حتى تحصل هذه الجوائز لابد من حفظ اللسان عن السباب والشتام، والغيبة وبذاءة اللسان والكذب والله تعالى يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] الحديث-: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
فاللسان إذن يوردك الجنة أو يقذف بك إلى النار، ويؤدي بك إلى خسارة العمر كله وليس رمضان فحسب، فلنحذر من آفات اللسان في كل وقت وخاصة في رمضان.
لابد من البعد عن الدخان والشيشة، وهما من الأمور المحرمة التي اعتادها الناس واستمرؤوها فقم بزيارة خاطفة للمقاهي في ليالي رمضان، ففيها ضياع المال الذي سيسأل عنه، وفيها ضياع للصحة التي سيسأل عنها، وفوق ذلك إثم ووزر؛ فهي مغضبة للرب، منجسة للفم والصحة.
.
¥