تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وغضب جبار، وتطاير صحف، وميزان، وصراط .....

وآخر ذلك إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

فمن يؤمن مستقبلك أيها الإنسان في هذه المواطن كلها غيرك!! - فلا يزال يسوف و يؤخر، ولا يخوض في شغل إلا ويتعلق بإتمام ذلك الشغل عشرة أشغال، إلى أن تخطفه المنية في وقت لم يحسبه فتطول عند ذلك حسرته، وأكثر أهل النار وصياحهم من (سوف)، والمسكين لا يدري أن الذي يدعوه إلى التسويف اليوم هو معه غدا، وإنما يزاد بطول المدة قوة و رسوخا، ويظن أنه يتصور أن يكون للخائض في الدنيا والحافظ لها فراغ قط، و هيهات، فما يفرغ منها إلا من طرحها.

وأما الجهل: فهو أن الإنسان قد يعول على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب، و ليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلده لو عدوا لكانوا أقل من عشر رجال البلد، وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر.

وقد يستبعد الموت لصحته، و يستبعد الموت فجأة، و لا يدري أن ذلك غير بعيد، فالموت ليس له وقت مخصوص من شباب، و كهولة، و صيف و شتاء، و خريف و ربيع، وليل ونهار، ولكن الجهل بهذه الأمور، وحب الدنيا، و غواه إلى طول الأمل، و إلى الغفلة عن تقدير الموت القريب فهو أبدا يظن أن الموت يكون بين يديه، و لا يقدر نزوله به، و وقوعه فيه، وهو أبدا يظن أن يشيع الجنائز و لا يقدر أن يشيع جنازته، لأن هذا قد تكرر عليه وألفه، وهو مشاهدة موت غيره، فأما موت نفسه فلم يألفه، ولم يتصور أن يألفه فإنه لم يقع.

وإن عرفت أن سببه حب الدنيا، و الجهل، فعلاجه دفع سببه.

أما حب الدنيا فعلاجه إخراجه من القلب، وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين، ولا علاج له إلا بالإيمان باليوم الآخر، و بما فيه من عظيم العقاب، و جزيل الثواب، فإذا حصل اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير.

وأما الجهل فيدفع بالفكر الصافي، والحكمة البالغة.

وأعظم من هذا وذاك أن يعلم الإنسان أن لو متع من السنين، ثم انقضى ذلك المتاع، وجاءه العذاب، أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه، و لا يغني عنه شيئا بعد انقضائه وحلول العذاب محله، وقد أوضح الله جل جلاله هذا المعنى في كتابه العزيز فقال:" أفبعذابنا يستعجلون (204 (أفرايت إن متعناهم سنين (205) ثم جاءهم ما كانوا يوعدون (206) ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون (207) " الشعراء 204 - 207

فقصر العمر لا يمنع من دخول الجنة، كما أن طول العمر لا يمنع من دخول النار، وإنما المحك في الأعمال من خير و شر، و لذا كان الصالحون يقللون من الدنيا، و يبادرون الموت لمعرفتهم ذلك.

عندما جاء ملك الموت إلى موسى -عليه السلام - فقال له: أجب ربك، فلطم موسى -عليه السلام- عين ملك الموت ففقأها

فرجع الملك إلى الله فقال: إنك أرسلتني عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل ك الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما توارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة. قال موسى: ثم مه؟ قال: ثم تموت. قال فالآن من قريب (6 (

و نبينا -صلى الله عليه وسلم - لما خير بين الخلود في الدنيا ولقاء ربه، آثر لقاء ربه، وقال: " اللهم الرفيق الأعلى " (7 (

و يتولد من طول الأمل خمسة أشياء: الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة، والرغبة في الدنيا، والنسيان للآخرة، والقسوة في القلب. لأن رقة القلب وصفاءه إنما تقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب و أهوال القيامة.

قال علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه-: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسى الآخرة، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، و غدا حساب ولا عمل.

ولكن الناس يلهثون وراء الدنيا، ويمنون أنفسهم بالأماني الكاذبة، ويكبرون وتكبر معهم أمانيهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا يزال قلب الكبير شابا في اثنين: في حب الدنيا، وطول الأمل " (8 (

وقال أيضا:" يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان:: حب الدنيا، وطول العمر " (9 (

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير