تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خلال حديثي مع صاحب البقالة المجاورة لمنزلي حول العلماء والدعاة الذين يظهرون على شاشة الفضائيات، فوجئت أنه متابع لدروس وبرامج العلامة أبي إسحاق الحويني، وأنه مستمتع بتعلم علم مصطلح الحديث الذي يشرحه العلامة الحويني بسهولة بالغة في ثنايا برامجه ودروسه. أما تعجبي، فيعود إلى أنني اعتقدت أنه سيفضل الدعاة الذين يكثرون من القصص والمواعظ العامة.

وقد ذكّرني هذا بما سمعته من بعض الأصدقاء عن دورة مكثفة في علم مصطلح الحديث، قدّمها الشيخ الحويني في الكويت، قبل ظهوره على الفضائيات. فرغم أنها كانت دورة علمية مكثفة وتوقيتها بعد صلاة العشاء، إلا أن كافة رواد المسجد من العامة وخاصة من كبار السن كانوا من المداومين على حضور الدورة بجدية، وتراهم يحملون دفاترهم وأقلامهم ويسجلون الفوائد والمعلومات التي يقدمها الشيخ.

وكما سجل للعلامة الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني في عصرنا الحاضر شرف إحياء علم الحديث ونشره بين طلبة العلم والعلماء، ونجاحه -بفضل الله عز وجل- في مشروعه "تقريب السنة بين يدي الأمة" الذي كرّس جل حياته له، فإنه سيسجل -بإذن الله- للعلامة الحويني تبسيط علم الحديث والمصطلح وجعله علماً شعبياً، إن صح الوصف، ذلك أن الشيخ الحويني قد منحه الله القوة في علم الحديث بشهادة علماء العصر ومنحه أيضاً القدرة على تبسيط المعلومة بطريقة محببة للجمهور العام، إضافة إلى أن أسلوب الشيخ القائم على ضرب الأمثلة من واقع حياة الناس، والتركيز على توظيف القصة الصحيحة الثابتة في الشرح، واستخدام وسائل الإيضاح في دروسه، حتى الفضائية منها، قد سهّلت وصول علم الحديث لعامة المسلمين.

والتأصيل العلمي الذي تأسس عليه الشيخ الحويني، والذي يقوم بنشره عبر دروسه، هو الذي حفظ الشيخ من الانجرار في تيارات التشدد والغلو التي كان ضعف التأصيل الشرعي فيها عموماً، وعلم أصول الفقه والحديث خصوصاً، هو سبب انحرافها، ولذلك فإن تحصين الأمة بالعلم الشرعي ورفع درجة وعيها بأصول فهم الدين، هما السبيل لوقاية الشباب من قبول الأفكار الهدامة، سواء بالتفريط أو الإفراط.

العلامة الحويني يزور الأردن هذه الأيام لتقديم بعض المحاضرات، وقد سبقت له زيارة الأردن سنة (1407 هـ- 1987م) للقاء الشيخ الألباني. وقد كان فيما دونه وحدث به الشيخ الحويني عن لقائه بالشيخ الألباني، دروس وعبر تربوية، يجب على كافة طلبة الحديث وغيرهم التمسك بها، كما أن في الأشرطة المسجلة لهذه اللقاءات علما جماً.

العلامة أبو إسحاق الحويني هو حجازي محمد شريف، من مصر، ولد في العام 1375 هجرية، وتخرج في كلية الألسن/ قسم اللغة الأسبانية، وكان الأول على دفعته في كل أعوامها، عدا السنة الأخيرة حيث كان الثاني على الدفعة. وكان قد بدأ طلب علم الحديث بعد أن طالع كتاب "مختصر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"، وكتاب "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، للشيخ الألباني، وذلك في سنة 1395 هـ، ثم حضر دروس الشيخ محمد نجيب المطيعي في الحديث والفقه الشافعي، وكان المطيعي يشرح أربعة كتب، هي: صحيح البخاري، و"المجموع" للنووي، و"الاشباه والنظائر" للسيوطي، و"إحياء علوم الدين" للغزالي.

ولمّا كان الشيخ الحويني في فتوته من المتابعين للشيخ عبدالحميد كشك، رحمه الله، لما لديه من العاطفة الصادقة والأسلوب الممتع والإخلاص بإذن الله، فقد أدرك خطورة إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الخطب والمواعظ، حين تعلم علم الحديث وظهر له أن كثيراً مما سمعه من الشيخ كشك هو أحاديث ضعيفة، ولذلك تجد الحويني يركز في دروسه على بيان ما يشيع بين العامة من أمثال هذه المنكرات، وهو ما يجب على كل خطيب ومدرس أن يدقق فيما يورده للناس من الأحاديث والآثار والقصص، فلا يورد إلا الصحيح الثابت.

وللعلامة الحويني 34 كتاباً، ما بين رسالة صغيرة أو كتاب من عدة مجلدات، وصلت في مجموعها إلى 54 مجلداً. وهو من كبار رموز المدرسة السلفية المعاصرة، كما أنه من أهم المشتغلين بعلم الحديث في زمننا هذا، لكنه تميّز عن غيره من أهل الحديث بأنه أعاد لنا سيرة كبار المحدثين من أمثال الإمام أحمد ابن حنبل والإمام عبدالله بن المبارك، اللذين جمعا بين كونهما علماء كباراً ورجال عامة أيضاً، فقد كان الإمام أحمد السد الذي حمى الله عز وجل به الأمة من دكتاتورية المعتزلة، الذين فرضوا الاعتقاد بفكرة خلق القرآن، كما أنه كان رجل أمة اتبع الناس اجتهاده وجعلوه مذهباً لهم في الفقه، أما الإمام عبدالله بن المبارك فقد كان عالماً كبيراً في الحديث ورجل أمة لا يتخلف عن الطليعة والقيادة والتوجيه للناس، وما يزال الناس يتناقلون شعره للفضيل بن عياض:

يا عابدَ الحرمين لو أبصرتَنا ... لعلمتَ أنَّكَ في العبادةِ تلعبُ

مَنْ كانَ يخضبُ خدَّه بدموعِه ... فنحورنا بدمائِنا تَتَخْضّبُ

أوكان يتعبُ خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ

ريحُ العبير لكم ونحنُ عبيرُنا ... رَهَجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ

ولقد أتانا من مقالِ نبيِنا ... قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يَكذبُ

لا يستوي غبارُ أهلِ الله في ... أنفِ أمرئٍ ودخانُ نارٍ تَلهبُ

هذا كتابُ الله ينطقُ بيننا ... ليسَ الشهيدُ بميتٍ لا يكذبُ

وعلى هذا المنوال درج العلامة الحويني، فهو من علماء الحديث المشهود لهم، لكنه لم يقتصر على هذا، بل جعل علم الحديث باباً واسعاً للدعوة إلى الله، فالسنة شارحة القرآن ومفسرته والإسلام هو القرآن والسنة، فأنت تجد في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما تحتاجه من دروس وعبر في الدعوة إلى الله عز وجل. ولقد أعاد الشيخ الحويني للمحدثين دورهم الحقيقي في إرشاد الناس لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يتحقق عملياً شعار "الرسول قدوتنا"، إذ كيف نقتدي بمن لا نعرف صفاته ولا أوامره؟!

إن بذل علم الحديث للناس وإيصاله لهم سهلاً ميسراً بكل وسيلة مطبوعة أو مسموعة أو مرئية، هو حقيقة الدعوة للرجوع إلى الكتاب والسنة، وهو الدور الحقيقي لورثة الأنبياء في القيام بمهمة البلاغ المبين.

ملحوظة: ما ذكره الكتاب من قصة ابن المبارك مع الفضيل لا تصح كما نبه الأخوة في الملتقى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير