وجماع هذا أنك إذا كنت غير عالم بمصلحتك ولا قادر عليها ولا مريد لها كما ينبغي فغيرك أولى أن لا يكون عالما بمصلحتك ولا قادرا عليها ولا مريدا لها والله سبحانه هو يعلم ولا تعلم ويقدر ولا تقدر ويعطيك من فضله لا لمعوضة ولا لمنفعة يرجوها منك ولا لتكثر بك ولا لتعزز بك ولا يخاف الفقر ولا تنقص خزائنه على سعة الإنفاق ولا يحبس فضله عنك لحاجة منه إليك واستغنائه بحيث إذا أخرجه أثر ذلك في غناه وهو يحب الجود والبذل والعطاء والإحسان أعظم مما تحب أنت الأخذ والانتفاع بما سألته فإذا حبسه عنك فاعلم أن هناك أمرين لا ثالث لهما أحدهما أن تكون أنت الواقف في طريق مصالحك وأنت المعوق لوصول فضله إليك وأنت حجر في طريق نفسك وهذا هو الأغلب على الخليقة فإن الله سبحانه قضى فيما قضى به أن ما عنده لا ينال إلا بطاعته وأنه ما استجلبت نعم الله بغير طاعته ولا استديمت بغير شكره ولا عوقت وامتنعت بغير معصيته وكذلك إذا أنعم عليك ثم سلبك النعمة فإنه لم يسلبها لبخل منه ولا استئثار بها عليك وإنما أنت المسبب في سلبها عنك فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم فما أزيلت نعم الله بغير معصيته
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإن المعاصي تزيل النعم
فآفتك من نفسك وبلاؤك من نفسك وأنت في الحقيقة الذي بالغت في عداوتك وبلغت من معاداة نفسك ما لا يبلغ العدو منك كما قيل
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
ومن العجب أن هذا شأنك مع نفسك وأنت تشكو المحسن البريء عن الشكاية وتتهم أقداره وتعانيها وتلومها فقد ضيعت فرصتك وفرطت في حظك وعجز رأيك عن معرفة أسباب سعادتك وإرادتها ثم قعدت تعاتب القدر بلسان الحال والقال فأنت المعني بقول القائل وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا ولو شعرت برأيك وعلمت من أين ذهبت ومن أين أصبت لأمكنك تدارك ذلك ولكن قد فسدت الفطرة وانتكس القلب وأطفأ الهوى مصابيح العلم والإيمان منه فأعرضت عمن أصل بلائك ومصيبتك منه وأقبلت تشكو من كل إحسان دقيق أو جليل وصل إليك فمنه فإذا شكوته إلى خلقه كنت كما قال بعض العارفين وقد رأى رجلا يشكو إلى آخر ما أصابه ونزل به فقال يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك
وإذا أتتك مصيبة فاصبر لها ... صبر الكريم فإنه بك أرحم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
وإذا علم العبد حقيقة الأمر وعرف من أين أتي ومن أي الطرق أغير على سرحه ومن أي ثغرة سوق متاعه وسلب استحى من نفسه إن لم يستح من الله أن يشكوا أحدا من خلقه أو يتظلمهم أو يرى مصيبته وآفته من غيره قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقال أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم وقال ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك فإن أصررت على اتهام القدر وقلت فالسبب الذي أصبت منه وأتيت منه ودهيت منه قد سبق به القدر والحكم وكان في الكتاب مسطورا فلا بد منه على الرغم مني وكيف لي أن أنفك منه وقد أودع الكتاب الأول قبل بدء الخليقة والكتاب الثاني قبل خروجي إلى هذا العالم وأنا في ظلمات الأحشاء حين أمر الملك بكتب الرزق والأجل والسعادة والشقاوة فلو جريت إلى سعادتي ما جريت حتى بقي بيني وبينها شبر لغلب علي الكتاب فأدركتني الشقاوة فما حيلة من قلبه بيد غيره يقلبه كيف يشاء ويصرفه كيف أراد إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء ان يزيغه أزاغه وهو الذي يحول بين المرء وقلبه وهو الذي يثبت قلب العبد إذا شاء ويزلزله إذا شاء فالقلب مربوب مقهور تحت سلطانه لا يتحرك إلا بإذنه ومشيئته قال أعلم الخلق بربه ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ثم قال اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وكان أكثر يمينه لا ومقلب القلوب
وقال بعض السلف مثل القلب مثل الريشة في أرض فلاة تقلبها الرياح ظهرا لبطن فما حيلة قلب هو بيد مقلبه ومصرفه وهل له مشيئة بدون مشيئته كما قال تعالى وما تشآءون إلا إن يشاء الله رب العالمين
وروي عن عبدالعزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال تلا رسول الله قوله عز و جل أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها وغلام جالس عند رسول الله فقال بلى والله يا رسول الله إن عليها لأقفالها ولا يفتحها إلا الذي أقفلها فلما ولي عمر بن الخطاب طلبه ليستعمله وقال لم يقل ذلك إلا من عقل. وقال طاوس أدركت ثلاثمائة من أصحاب رسول الله يقولون كل شيء خلقناه بقدر خلق الله الخلق كلهم بقدر وخلق الخير والشر فخير الخير السعادة وشر الشر الشقاوة.
ـ[صخر]ــــــــ[01 - 08 - 08, 04:48 ص]ـ
نقل موفق شيخنا الحبيب أبوسلمى ..