هنا بدأ المؤلف بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه وأتباعهم، ثم بين أن ما يدل على مدلول الكتاب، وأنه سيتحدث فيه عن العلم بأقسامه المعروفة: وأن منه ما هو نافع، ومنه ما هو غير نافع، بل منه ما فيه نفع وضرر ويغلب ضرره على نفعه، إلا أن المشهور ما كان نافعا نفعا خالصا، وما كان ضارا ضررا خالصا، وسيذكر أمثلة لذلكم؛ لأن بعض العلوم فيها نفع من وجه، وضرر من وجه آخر.
الْمَتْنُ
قد ذكر الله – تعالى- في كتابه العلم تارة في مقام المدح؛ وهو العلم النافع، وتارة في مقام الذم؛ وهو العلم الذي لا ينفع.
فأما الأول فمثل قوله - تعالى - ? قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون ?] الزمر: 9 [.
وقوله ? شَهِدَ اللَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَة وَأُولوا العِلمَ قائِماً بِالقِسط ?] آل عمران: 18 [.
وقوله ? وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً ?] طه: 14 [.
وقوله ? إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ?] فاطر: 28 [.
وما قص - سبحانه - من قصة آدم وتعليمه الأسماء، وعرضهم على الملائكة.
وقولهم ? سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم ?] البقرة: 32 [.
وما قصه - سبحانه وتعالى - من قصة موسى - عليه السلام - وقوله للخضر: ? هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِمَني مِمّا عُلِّمتَ رُشدا ?] الكهف: 66 [.
فهذا هو العلم النافع.
الشَّرْحُ
تحدث المصنف – رحمه الله تعالى – بادئ ذي بدء عن العلم النافع، والعلم النافع هو علم الكتاب والسنة، والتفقه في ذلك على منهج السلف الصالح، وهذا هو العلم الذي يبقى ذخرا لأهله يوم القيامة.
وهذا العلم النافع قد ذكر المصنف – رحمه الله – بعضا من أدلته من الآيات الكريمة التي إذا تأملها المسلم خرج بالنتائج، أو بالفوائد التالية نذكر بعضا منها:
الفائدة الأولى: أنه لا مقارنة بين الجاهل والعالم؛ فإن العالم والمتعلم على خير؛ يتميز عن الجاهل، بفقهه في دين الله – سبحانه وتعالى – فإنه لا يعمل الشيء إلا إذا عرف أنه مطلوب شرعا، فلا يقدم على إحداث شيء في الدين مما لم يأذن به الله – سبحانه وتعالى – بل يتوقف عند النصوص الشرعية؛ لذلك قال تعالى ? هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون ?] الزمر: 9 [.
ومن ورعه أنه لا يقول على الله بغير علم، بل يقف عند النصوص الشرعية، ? وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ?] الإسراء: 36 [.
الفائدة الثانية: أن طالب العلم - أو العالم، أو المتعلم - يعبد الله على بصيرة؛ فلا يعمل عملا إلا إذا كان مستندا إلى الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، كما يدل عليه قول الله – تعالى – ? قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ?
] يوسف: 108 [.
الفائدة الثالثة: أنه أشد الناس خشية لله – جل وعلا -؛ ولذلك يقول الله – تعالى – ? إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ?
] فاطر: 28 [.
بل إن أشد الناس خشية لله هم الأنبياء، ثم من يليهم في الفضل؛ كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (إني والله لأخشاكم لله، وأتقاكم له) (10).
الفائدة الرابعة: أنهم مهما تعلموا؛ فإنهم يطلبون المزيد من العلم، ولا يدعون كمال العلم إذ أنهم يعلمون أن: ? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ?] يوسف: 76 [(وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً ?] طه: 14 [.
ولا يزال الرجل عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم = فقد جهل (11).
الفائدة الخامسة: أنه يقف عند نصوص الشرعية؛ فلا يتجاوز القرآن والسنة فيما يقول وفيما يترك.
الفائدة السادسة: أنه يَكِلُ علم ما لم يعلم إلى عالِمه، وهو الله - تبارك وتعالى - انظر إلى قول الملائكة في قصتهم مع آدم
? سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ?] البقرة: 32 [. ففضل آدم عليهم بهذا العلم الذي علمه إياه.
¥