الفائدة السابعة: أن الله – عز وجل – يختص بعلمه من يشاء من عباده، فانظر إلى قصة موسى – عليه السلام - مع الخَضِر – عليه السلام - وأن الله قد يخص كلا من الأنبياء بعلم ليس عند الآخر، وقد يكون الآخر أفضل منه، ومع ذلك يخص من دونه بعلم لا يوجد عنده، وفي ذلك بيان لأن العلم الذي لا يحيط به أحد، ولا ينتهي إلى أمد = هو علم الله – سبحانه وتعالى –.
فهذا هو العلم النافع، هذا هو العلم النافع الذي أمرنا أن ندعو الله في كل صباح ومساء على لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بطلبه؛ فإنه ورد في الحديث الصحيح من أذكار الصباح والمساء (اللهم إني أسألك علما نافعا، وعملا صالحا] وفي رواية متقبلا [، وزرقا طيبا) (12).
فهو الذي أمرنا أن ندعو الله. والعلم النافع هو ما تفقه فيه صاحبه كما قال الله – جل وعلا - ? فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ?] التوبة: 122 [.
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم –: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) (13).
الْمَتْنُ
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم. فهذا علم نافع في نفسه لكنّ صاحبه لم ينتفع به. قال تعالى: ? مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا ?] الجمعة: 5 [.
وقال: ? وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ ?] الأعراف: 175 [.
وقال تعالى: ? فَخَلَفَ مِن بَعدَهُم خَلفَ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ ?] الأعراف: 169 [.
وقال: ? وَأَضَلَّهُ اللَهُ عَلى عِلمٍ ?] الجاثية: 23 [على تأويل من تأول الآية على علم عند من أضله الله.
الشَّرْحُ
هنا صنف من العلم أشار إليه الشيخ نافع في نفسه؛ لم ينتفع به صاحبُه، هو نافع في نفسه، لكن صاحبه لا ينتفع به، كحال أولئك الذين يقرأون العلوم ولا يطبقونها، ولا يعملون بها، ولا يدعون إليها، ولا يصبرون على الأذى في سبيلها؛ لأن العلم لابد فيه من العمل، ولابد في العمل من الدعوة إلى هذا العلم، ولابد من الصبر في سبيل تطبيقه، ولو تعرضت للأذى في سبيل ذلك؛ فمن لم يعمل به، ولا يدعو إليه، ولا يصبر على الأذى فيه = فإنه حجة عليه، هو نافع في نفسه، لكنه لم ينفع ذلك القلب القاسي عن ذكر الله – جل وعلا – وقد ضرب الله مثلا لذلك بحال اليهود ? مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا ?] الجمعة: 5 [. والأسفار هي الكتب، هل يستفيد الحمار من حمل الكتب؟
لا يستفيد؛ بيما الذي يستفيد غيرُه، وهو الإنسان، وكحال بلعان بن باعوراء ذلكم اليهودي الضال الذي وصفه الله بقوله ? وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَاِتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ?] الأعراف: 175 [؛ فهو لا يستفيد من علمه، لم يستفد من علمه، وهذا ينطبق على حال الزنادقة، والمنافقين الذين يعلمون العلم ولا يطبقونه، كما ينطبق على الخوارج المارقين الذين يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم؛ فيعرضون عن القرآن والسنة، ويحكِّمون أهواءهم، وآراءهم، وبدَعَهم، وشبهَهُم؛ فيستحلون دماءَ المسلمين، وأموالَهم، يقتلون برَّهم، وفاجرهم، وهم يظهرون في كل وقت (14)؛ كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حالهم، وأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (15)، وإن كانوا أصحابَ عبادة؛ فإنها عبادة لا تمثل المنهج الحق الذي يجب أن يسير عليه المؤمن؛ لأنهم شذوا عن منهج أهل السنة والجماعة؛ فوقعوا في هذا الداء العضال، وهذا مصداق
¥