فالسحر من العلوم الضارة التي لافائدة فيها ألبتة؛ ولذلك فإن تعلمه حرام، وهذا هو ما حدا ببعض أهل العلم إلى أن يقولوا: إن الساحر لا تقبل توبته (29) – أي عند الناس – فيما يبدوا للناس، أما عند الله؛ فأمره إلى ربه؛ لأنه – غالبا – قد يبقى معه هذا العلم؛ فيصعب عليه التخلص منه، ومن مزوالته – والعياذ بالله -.
والسحر لا يجوز، حتى ولو لقصد المعالجة به؛ فإن الغاية لا تبرر الوسيلة في الإسلام، المؤمنون يتداوون بما أباح الله لهم، ويبتعدون عن المحرمات، فإن السحر ضرر محض، ولا يجوز تعلمه، ولا تعليمه، لا لقصد حل السحر، ولا لأي قصد آخر، إذ أن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، فيجب التعاون على إزالة آثار السحرة، وعدم التستر عليهم، ومن تسر عليهم انطبق عليهم الحديث (لعن الله من آوى محدثا) (30) وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – إن من البيان لسحرا (31).
هل قاله على سبيل الذم، أم على سبيل المدح؟
على سبيل الذم؛ لماذا على سبيل الذم؟ أي أن بعض الناس يتفاصح، ويتكلف، ويتخلل بلسانه! كما تتخلل البقرة؛ بأساليب ساحرة ربما أثرت على ضعاف الإيمان، ومن ليس عندهم علم؛ فتؤثر عليهم تلك الأساليب؛ لأنها أساليب قوية، بسبب ما فيها من فصاحة زائدة؛ ولذلك فإن أبغض الناس إلى الله الألد الخصم.
ونهى النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يتخلل المسلم بلسانه كما تتخلل البقرة (32)، يعني التكلف، هذا هو المقصود بقوله: إن من البيان لسحرا.
يعني ليس المقصود أن البيان يؤثر بالناس تأثيرا طيبا، أحيانا البيان والبلاغة والتعمق فيها = قد يؤدي إلى أمر عكسي؛ ولذلك كره أهل العلم الإفراط في علم البلاغة، وعلم النحو، مع أنهما نافعان، كآلة لتعلم العلوم النافعة.
لكن مع ذلك نهى العلماء عن التكلف في هذه العلوم؛ ولذلك قيل: أوهى من حجة نحْوي؛ هذا لا يدل على أن علم النحو ليس مفيدا، علم النحو مفيد إذا لم يخرج عن المؤلوف، وإذا لم يصل إلى درجة العمق، والتكلف، حتى إن من النحْويين المتكلفين، ومن البلاغيين المتكلفين من أوَّلَ نصوص القرآن، والسنة، وبخاصة نصوص الأسماء والصفات.
وهذا هو وجه ذم علم النحو -كما ستأتي الإشارة إليه -.
والخلاصة – يا عبدَ الله – أن كل علم لا ينفع، أو كل علم ضررُه غالب على نفعه؛ فإنه يجب البعد عنه؛ ومن ذلك:
علم الكلام.
وعلم المنطق.
وعلم النجوم فيه تفصيل سيأتي بيانُه بعد قليل – إن شاء الله -.
الْمَتْنُ
ففي مراسيل أبي داود (33) عن زيد بن أسلم قال: قيل يا رسول الله! ما أعلمَ فلانا؟
قال: بم؟
قالوا: بأنساب الناس.
قال: علم لا ينفع وجهالة لا تضر.
وخرجه أبو نعيم في كتاب (رياض المتعلمين) من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا وفيه (إنَّهم قالوا أعلم الناس بأنساب العرب وأعلم الناس بالشعر وبما اختلفت فيه العرب)، وزاد في آخره (العلم ثلاثة ما خلاهن فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة)؛ وهذا الإسناد لا يصح، وبقية دَلَّسهُ عن غير ثقة.
وآخر الحديث خرجه أبو داود وابن ماجه (34) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا (العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة) وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وفيه ضعف مشهور.
وقد ورد الأمر بأن يُتعلم من الأنساب ما توصل به الأرحام من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) أخرجه الإمام أحمد والترمذي (35).
وخرجه حميد بن زنجويه من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعا (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا، وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا، وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا) وفي إسناد رواته ابن لَهيعة (36).
وخرج - أيضاً - من رواية نعيم بن أبي هند قال قال عمر: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا، وتعلموا من النسبة ما تصلون به أرحامكم وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم أمسكوا (37).
وروى مسعر عن محمد بن عبيد الله قال قال عمر بن الخطاب (تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق).
¥