تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان النخعي لا يرى بأساً أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به (38).

ورخص في تعلم منازل القمر أحمد وإسحق نقله عنها حرب (39)؛ زاد إسحاق: ويتعلم من أسماء النجوم ما يهتدى به (40).

وكره قتادة تعلم منازل القمر (41)؛ ولم يرخص ابن عيينه فيه ذكره حرب عنهما.

وقال طاوس: " رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق خرجه حرب. وخرجه حميد بن زنجويه " من رواية طاوس عن ابن عباس (42).

وهذا محمول على علم التأثير لا علم التسيير فإن علم التأثير باطل محرم.

وفيه ورد الحديث المرفوع (ومن اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر) خرجه أبو داود (43) من حديث ابن عباس مرفوعا، وخرج (44) - أيضاً - من حديث قبيصة مرفوعاً: " العيافة والطِيَرة والطرق من الجبت .. " والعيافة: زجر الطير، والطرَّْق: الخط في الأرض؛ فعلم تأثير النجوم باطل محرم، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم، وتقريب القرابين لها كفر.

وأما علم التسيير فإذا تعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء، ومعرفة القبلة، والطرق كان جائزاً عند الجمهور (45)، وما زاد عليه فلا حاجة إليه؛ وهو يشغل عما هو أهم منه، وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين في أمصارهم (46)، كما وقع ذلك كثيراً من أهل هذا العلم - قديماً وحديثاً -؛ وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ الصحابة والتابعين في صلاتهم في كثير من الأمصار؛ وهو باطل.

وقد أنكر الإمام أحمد الاستدلال بالجدي وقال: إنما ورد ما بين المشرق والمغرب قبلة؛ يعني لم يرد اعتبار الجدي ونحوه من النجوم.

وقد أنكر ابن مسعود على كعب قوله: إن الفَلَك تدور، وأنكر ذلك مالك وغيره، وأنكر الإمام أحمد على المنجمين قولهم: إن الزوال يختلف في البلدان، وقد يكون إنكارهم أو إنكار بعضهم لذلك؛ لأن الرسل لم تتكلم في هذا، وإن كان أهله يقطعون به، وإن كان الاشتغال به ربما أدى إلى فساد عريض (47).

وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا على حديث النزول ثلث الليل الآخر؛ وقال: ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان؛ فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين. ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين (48).

وكذلك التوسع في علم الأنساب هو مما لا يحتاج إليه: وقد سبق عن عمر وغيره النهي عنه مع أن طائفة من الصحابة والتابعين كانوا يعرفونه ويعتنون به (49).

وكذلك التوسع في علم العربية: لغة ونحواً = هو مما يشغل عن العلم الأهم، والوقوف معه يَحْرم علماً نافعاً.

وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال أوله شغل وآخره بغي (50).

وأراد به التوسع فيه؛ ولذلك كره أحمد التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر على أبي عبيد (51) توسعه في ذلك، وقال: هو يشغل عما هو أهم منه؛ ولهذا يقال: إن العربية في الكلام كالملح في الطعام؛ يعني: أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام، كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام، وما زاد على ذلك = فإنه يفسده.

وكذلك علم الحساب يحتاج منه إلى ما يعرف به حساب ما يقع من قسمة الفرائض والوصايا، والأموال التي تقسم بين المستحقين لها، والزائد على ذلك مما لا ينتفع به إلا في مجرد رياضة الأذهان وصقالها لا حاجة إليه ويشغل عما هو أهم منه.

الشَّرْحُ

هذا الموضوع الذي استطرد فيه الشيخ – رحمه الله تعالى - كله مبني على بيان العلوم غير النافعة، أو بيان العلوم التي التوسع فيها غير نافع، إما أن يكون الاشتغال بها ليس نافعا ألبتة، بل هو ضار ضرر محض؛ وهذا كعلم السحر - وقد تقدم -، وإما أن يكون الاشتغال بها يشغل عما هو خير منها، وإما أن يكون لها جانبان: جانب فيه نفع، وجانب فيه مضرة؛ فيكتفى بالجانب الذي فيه النفع، ويترك ويبتعد عن الجانب الذي فيه مضرة، هذه كل ما مثل له المصنف – رحمه الله - بهذه الأمثلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير