وذكر منها علم النجوم، والتحذير منه، وذكر منها علم الأنساب؛ فعلم الأنساب الذي يشتغل به البعض - التوسع فيه مشغلة، وربما أدى إلى عصبية جاهلية، أو أدى إلى فتن وحروب طائفية قبلية، لكن كون المسلم يحافظ على نسبه هذا لا اعتراض عليه، وكون المسلم يتعلم من نسبه ما يصل به رحمه هذا أمر مطلوب شرعا كما جاء في الحديث الذي صححه غيرُ واحد من أهل العلم (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) (52) وإن كان البعض قد يرى ضعفه، ولكن الحقيقة أنه يصل – إن شاء الله - إلى درجة الحسن - على الأقل – وأما النهي الصريح عن تعلم الأنساب فمحمول على النهي الذي يوصل صاحبه إلى التعصب للقبيلة المحضة، حتى ولو كان على حساب الدين، ولو كان بمخالفة شرع الله – عز وجل – من التعصبات الجاهلية الخطيرة، وقد استفدنا من شيخنا الشيخ حماد الأنصاري – رحمه الله تعالى – تحذيره من تعصبات أربع:
التعصب القبلي العرقي القومي الجاهلي المنتن.
والتعصب الطرقي الطائفي الصوفي.
والتعصب الترابي الأرضي البهيمي.
وهنا أقف وقفة ليس المراد الذب عن أوطان المسلمين ومحبة المسلمين، وحبك لوطنك، ولبدك، وذوذك عنه، هذا أمر ليس فيه محل جدال، لكن المقصود أن يتحول الخلاف بين المسلمين إلى خلاف على هذا التراب.
والرابع: التعصب المذهبي الفقهي الذي وصل به الأمر إلى أن يوجد في المسجد الحرام، قبل مجيء الملك عبد العزيز – رحمه الله تعالى – كان فيه أربعة محاريب كل أتباع إمام يصلون وحدهم، والأئمة – رحمهم الله - يرضون بذلك، أم أنهم برئيون من ذلك؟
لا شك أنهم برئيون من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
فهذه التعصبات الأربع ممقوتة، والمقصود أن الأنساب - عناية المسلم بنسبه لا اعتراض عليه. عنايته بقبيلته، والعناية بتكافلهم، ومساعدة فقيرهم، وتعليم جاهلهم، والرفق بضعيفهم = هذا أمر مطلوب، والرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يعطي كل قبيلة راية، هذا لا اعتراض عليه، لكن أن يصل إلى درجة التعصب؛ حتى تقرب قريبك في النسب، ولو كان كافرا، أو ملحدا وتفضله على أخيك المؤمن الذي هو أخوك في الإسلام؛ فهنا تكون الكارثة؛ فإن الإسلام قد وضع أناسا، ورفع آخرين، رفع بلالا، وصهيبا، وخبابا، عمارا - رضي الله عنهم وأرضاهم – وكانوا مسترقين لدى كفار قريش، في الوقت الذي أذل أبا جهل، وأبا لهب، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، وغيرهم من طواغيت الكفر.
الخلاصة: أن تعلمك لنسبك، بقصد المحافظة عليه، وبقصد صلة الأرحام = هذا أمر مشروع ومباح، وأما ما زاد عن ذلك من التعصب الجاهلي، أو ما يفضي إلى التعصب الجاهلي، أو إلى الحروب، أو إلى المفاخر بالأحسباب والأنساب، المفاخرة بالأحساب والأنساب = فهذا العلم علم باطل ممقوت.
أما تعلم علم النجوم فقد ورد كثير من تحذير السلف منه، وقد بين الله – عز وجل - في كتابه ما يدل على تحديد الفوائد من النجوم، من تعلم علم النجوم قال الله – تبارك وتعالى –:
? وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ?] الملك: 5 [.
وقال تعالى: ? وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ?
] النحل: 16 [.
وورد في الآثار عن الصحابة: خلق الله النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشايطين، وعلامات يهتدى بها (53).
فما خرج عن ذلك؛ فإنه إما أن يكون محرما – كما سنبينه – وإما أن يكون فضولا يفضي إلى ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك جاء في الحديث (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر) (54).
وثبت في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته؛ فهو مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فهو كافر بي، مؤمن بالكوكب (55).
وقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت (56).
وما جاء في ذم علم النجوم؛ فالمقصود به التأثير؛ لأن علم النجوم على قسمين:
علم التأثير، وعلم التسيير.
¥