فعلم التأثير: الاعتقاد بأن للكواكب السيارة - أو غيرها من النجوم - تأثيرا في أحداث الكون لميت عظيم، أو ولادة عظيم، أو سعد، أو نحس، أو بركة، أو قحط، أو نحو ذلك؛ فهذا المعتقد محرم، وهو علم التأثير، وهو الذي أفضى بالصائبة إلى عبادة الكواكب الذين بعث الله فيهم إبراهيم – عليه السلام –؛ فأصبحوا يبنون لها الهياكل والنجوم، والتماثيل، ومثله ما يفعله البعض – الآن - من دعوى الحظ، والسعد، والنحس، وأنت طالعك فلان، وفلان طالعه فلان، وفلان نجمه فلان السعيد، وفلان نجمه فلان النحس، وهكذا، هذا كله من علم التأثير المحرم، وهو محرم بإجماع المسلمين.
والمقصود بعلم التسيير هو الاستدلال بالنجوم على نحو ما ذكرنا قبل قليل، كالاستدلال على القبلة، وعلى الطريق ? وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ?] النحل: 16 [؛ ومعرفة القبلة.
وأما ما أورده المصنف من أن أحمد كان يكره الاستدلال بالجدي، يقصد بهذا التنطع، الجدي هو النجم القبطي الشمالي، التنطع في تحديد القبلة لمن كان بعيدا عنها؛ فإن ما بين المشرقين قبلة (57) كما أخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم –؛ فلذلك: التدقيق والتعمق والتكلف في هذا لا يجوز، وإلا قد ينبني عليه بطلان صلوات المسلمين المتقدمين الذين اجتهدوا في تحديد المحاريب التي توجه إلى القبلة، فتكفي مجرد الجهة، ولا تلزم إصابة عين الكعبة بالنسبة لمن كان بعيدا عنها، بل المقصود التوجه إليها ? فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ?] البقرة: 144و 150 [أي نحوه، وليس المقصود النهي عن معرفة علوم النجوم مثل الجدي وغيره، والاستدلال به على القبلة - هذا لا بأس، لكن أن يتحول إلى تنطع وتكلف بحيث يختلف الناس بسبب ذلك = هذا لا يجوز، إذا اختلفوا فبالنسبة لمن يسكن شمال مكة فما بين المشرقين قبلة.
ولا يتشدد بهذا.
ومثله التوسع في علم العربية، وفي علم البلاغة الذي أشرنا إلى ما يجوز منه، وما لا يجوز.
بقي من درس الأمس مسألتان تكلم عنهما المصنف – رحمه الله تعالى -:
المسألة الأولى: أن ثمة من العلوم ما لاينفع علمه، ولا يضره جهله؛ فهذا = العلم به والجهل به سيان، وهناك فضول من العلوم، لاطائل تحتها، لا تفيد، لا في أمر الدين ولا في أمر الدنيا؛ فالعلم به لا ينفع، بل والجهل به لا يضر، ولا يترتب عليه مصلحة للأمة في أمر دينها ودنياها.
وأشار إلى مسألة الفلك، ودوارنه؛ فمثل هذا لو أن الأمة جهلته، أو لم تتعلمه؛ الأمر فيه سعة، ولكن الذي أحب أن أنبه إليه: أننا لا نخضع آيات القرآن لهذه العلوم؛ فإن توصل إلى علم لا يعارض النصوص، وفيه مصلحة للأمة في أمر دينها ودنياها؛ فالحمد لله، وهو يدخل في قول الله – تعالى –: ? سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ?] فصلت: 53 [.
وإن كانت مجرد نظريات بحتة؛ فهذه لها ثلاثة أحوال:
- إما أن يكون في النصوص الشرعية ما يدل عليها، أو يشير إليها.
- وإما أن لا يوجد ما يعارضها على الأقل.
- وأما أن تكون معارضة للشرع – جملة وتفصيلا -.
فإن كانت تلك النظرية معارضة للشرع؛ فيجب اطِّراحها، ولا شك أنهم سيصلون يوما من الأيام إلى أنها نظرية باطلة. مثل نظرية التطور والارتقاء، نظرية دارون التي تزعم أن أصل الإنسان يعني حيوان بحري، ثم قرد، ثم ... ثم ... ثم تطور إلى أن أصبح إنسانا؛ فهذه النظرية باطلة - جملة وتفصيلا - بل يعارضها حتى الكفار أنفسهم؛ لذلك يقول أحدهم: نحن نعلم أن الناس من أبناء آدم، وآدم من تراب.
ولا ندري ما إذا كان دارون صاحب هذه النظرية، ما إذا كان قردا أم لا؟
هذا يقوله بعض الكفار؛ فأي نظرية تعارض القرآن، تعارض السنة تعارض شيئا من العقيدة = فهي نظرية باطلة، لا يجادل فيها ولا يناقش.
¥