تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نقع في شيء من الإفراط، أو التفريط.

أما المسألة الثانية: وهي مسألة علاقة نزول الرب – سبحانه وتعالى –، بدوران الفلك، واختلاف الوقت، بعبارة أوضح: أننا - الآن - الساعة عندنا – مثلا – هنا في المملكة قرب الخامسة، نجدها في أمريكيا - مثلا - العاشرة صباحا، بينما نجدها في اليابان – مثلا - الحادية عشر ليلا – الآن – أو الثانية عشر ليلا، في أندونيسيا العاشرة ليلا، اختلاف الوقت هذا، بعض من تخصصوا في هذه الفنون دخلوا فيما لا يعنيهم، قالوا: كيف نقول: إن الرب ينزل في الثلث الأخير من اليل، بينما اختلاف الوقت ثابت علميا بين البلدان، اختلاف الوقت لا شك، الآن بين المدينة وبين ينبع كم دقيقة؟ = عشر دقائق، بين المدينة والرياض = نصف ساعة، بين المدينة والشرقية = خمس وأربعون دقيقة، هذا أمر مسلَّم - قديما وحديثا -، لكن ما الذي يجعل هؤلاء المساكين يعرضون صفات الرب – سبحانه وتعالى - لهذه النظريات، أو لهذه الأحوال الفلكية؟

الذي أوقعهم في ذلك = هي كلمة كيف.

وهذا هو الذي أضل كثيرا من البشر (كلمة كيف)، أضل الجهمية: كيف يستوي ربنا على عرشه؟

نحن نعرف أن الإنسان يصنع الكرسي، ثم يجلس، ثم يأتي، ثم يتكلف حتى يهيأ له هذه الكرسي؛ إذا قلنا: إن الله يستوي على عرشه أشبه من؟ المخلوقين.

رتبوا على هذا نفي الاستواء، ونفي العلو، كيف نقول: إن الله فوقه جميع خلقه؟

لو قلنا بذلك؛ لقلنا: إنه محدود، بحد معين، أو أنه جسم، أو أنه يعني متحيز، ونحو ذلك.

إذًا كلمة كيف؟ هي التي أوقعتهم في هذا.

نسي هؤلاء المساكين أنهم لا يعرفون كيفية الروح التي بين جنبيهم؛ أسألهم هذا السؤال: تؤمن بأن فيك روحا، أم لا؟

يقول لك: نعم فيّ روح.

تؤمن بأن معك ملكين: أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار؟

يقول لك: نعم؛ كيف!

هل تراهما؟

يقول لك: لا.

طيب هل تؤمن بهما؟

يقول لك: نعم.

طيب ألا تؤمن بأن الله يفعل ما يشاء ويختار؟

يفعل ما شاء إذا شاء كيف شاء؛ بغض النظر عن اختلاف الأوقات، لأن الله – عز وجل – لا يكرثه شيء، ولا يعجزه شيء، يفعل ما يشاء ويختار، لا تقسه بنفسك، ولا تقسه بالمخلوقين، أيا كانوا؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عند أصل ذكره في التدمرية (59): القول في الصفات فرع عن القول في الذات.

كيف؟

إذا قال لك الأشعري: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، وهل يخلو منه العرش، أو لا يخلو، وهل تحيط به السماوات، أو لا تحيط، وما الحجم الذي نزل فيه، وكيف ينزل، وبأي طريقة؟

اسأله سؤالا معاكسا: قل له: هل تؤمن بوجود الله، هل تؤمن بذات الله، بأن له ذاتا تخصه؛ لا تشبه ذوات المخلوقين؟

يقول لك: نعم.

تؤمن له ذاتا خاصا لا تشبه ذوات المخلوقين؟

الجواب: نعم.

هل تشبه الذوات؟

لا.

طيب! كذلك له صفات لا تشبه الصفات.

فإذا قال لك: كيف ينزل؟

قل له: كيف هو؟

سيقول لك: لا يعلم كيف هو إلا هو.

قل له: ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو.

فهذه قضية خطيرة جدا.

كان زميلا لنا تخرج معنا قبل أكثر من ثلاثين سنة من إحدى البلدان العربية الإسلامية، تخرج ودرس هذه القضايا، درس الطحاوية، ودرس كل شيء، لكن ما استفاد شيئا؛ لأنه غرس في ذهنه أن لا يستفيد.

فجاءني بعد ما تخرجنا، قال: والله! يا أخي أنا ما زالت قضية النزول مشكلة عليّ؛ لاختلاف الوقت، إذًا ربنا بظل طالع نازل (60)!

انظر هذا المسكين .... !

قلتُ له: أنت قست الله بنفسك، ولو أنك آمنت بأنه يفعل ما يشاء ويختار، وأنه لا يعلم كيف هو، إلا هو، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو، لما وقعت في هذا المأْزِق الذي أقحمت نفسك فيه.

وهذا ينسحب على سائر صفات الرب – سبحانه وتعالى -؛ فأي منكر لصفات الله ناقشه بمثل هذه المناقشة؛ فإما أن يسلّم، وإلا أن ينفي الصفات والأسماء، كما نفتها المعتزلة، ويصبح – حينئذ – خارج الحلبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير