تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أهل السنة كيف فهموا هذا (كل من عند الله) = تقديرا وخلقا، وهو منك سببا ومباشرة واختيارا؛ فالعبد يفعل الفعل باختياره، وبسبب فعله، والله أقدره على الأسباب، لكن مع هذا كله فإن جميع الكون لا يخرج عن مشيئة الله العامة ? وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ?] التكوير: 29 [.

فالجبرية احتجوا بحجة إبليس، وحجة المشركين، ? سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا ?] النعام: 148 [وبحجة إبليس ? فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ?] الأعراف: 16 [يعني قول: أنت أجبرتني على هذا.

والمجوس، والقدرية الذين أشبهوا المجوس احتجوا بأن العبد هو الخالق لفعله.

المسألة الثانية: احتجاجهم بالعقل في باب القدر، هذا من العلوم الفاسدة، فقالت القدرية النفاة: إن الله لو خلق أفعال العباد ثم عاقبهم عليها = كان ظالما لهم! فحتى ننزه الله عن ذلك ننفي القدر، ونقول: إن العبد هو الخالق لفعل نفسه، وإنه لا يدخل تحت مشيئة الله العامة، بل هو الخالق لفعل نفسه؛ لأنه لو قيل: إن الله هو خالق الأفعال، ثم يعذبهم عليها؛ كان هذا ظلما - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا -؛ فأثبتوا خالقين كما أثبتتها المجوس، ونسوا قول الله – تعالى - ? وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ?] الصافات: 96 [وقوله تعالى ? اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ?] الزمر: 62 [.

الجبرية عكسوا هذا الأمر تماما؛ قالوا: إن العبد مجبور على الفعل، وإذا كان مجبورا على الفعل؛ فليفعل ما يشاء؛ فإنه لا يعاقب على ذلك.

أهل السنة قالوا: إن الله خالق العباد وأفعال العباد؛ كما قال تعالى: ? وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ?] الصافات: 96 [، وأن لله مشيئة عامة، وللمخلوق مشيئته الخاصة به، وأنه – كونا وقدرا - لا يخرج عن مشيئة الله، أما فيما يتعلق بما يحبه الله، ويرضاه، فإنه قد لا ينفذ ذلك – أعني: العبد.

فالعبد له مشيئة، وله اختيار، لكنها تابعة لمشيئة الله العامة النافذة، وقد جمع الله بين الأمرين في قول الله تعالى? لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ?] التكوير: 28 - 29 [.

المسألة الأخيرة: خوضهم في سر القدر ومحاولة علمه، وهذا عبث، يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – (القدر سر الله في خلقه فلا نكشفه) (76) يعني لا نقحم أنفسنا في كشفه؛ لأننا غير قادرين على الوصول إلى ذلك، لسنا قادرين على كشفه؛ لأنه لا يعلمه إلا الله؛ حتى الأنبياء ? وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ?] الأعراف: 188 [نعم، يمكن أن يحتج الجبري؛ لو أنه يعلم سر القدر، أمَا وقد طوى الله ذلك عنه؛ فإنه ليس له فيه حجة، ليس لهم فيه حجة، وهذا هو معنى قول علي - رضي الله عنه -: القدر سر الله في خلقه فلا نكشفه.

الْمَتْنُ

ومن ذلك أعني محدثات الأمور ما أحدثه المعتزلة، ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله – تعالى - وصفاته بأدلة العقول؛ وهو أشد خطراً من الكلام في القدر؛ لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله، وهذا كلام في ذاته وصفاته. وينقسم هؤلاء إلى قسمين:

أحدهما: من نفى كثيراً مما ورد به الكتاب والسنة من ذلك لاستلزامه عنده للتشبيه بالمخلوقين كقول المعتزلة: لو رئي؛ لكان جسما؛ لأنه لا يرى إلا في جهة.

وقولهم: لو كان له كلام يسمع؛ لكان جسما، ووافقهم من نفى الاستواء؛ فنفوه لهذه الشبهة؛ وهذا طريق المعتزلة والجهمية، وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم، وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين.

والثاني: من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر، ورد على أولئك مقالتهم كما هي طريقة مقاتل بن سليمان ومن تابعه كنوح بن أبي مريم، وتابعهم طائفة من المحدثين - قديماً وحديثاً –، وهو - أيضاً - مسلك الكرامية فمنهم من أثبت لإثبات هذه الصفات الجسم: إما لفظًا، وإما معنى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير