ومنهم من أثبت للَّه صفاتٍ لم يأت بها الكتابُ والسنةُ كالحركة، وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة.
وقد أنكر السلفُ على مقاتل قوله في رده على جهم بأدلة العقل، وبالغوا في الطعن عليه.
ومنهم من استحل قتله منهم: مكي بن إبراهيم شيخ البخاري وغيرُه.
والصواب ما عليه السلفُ الصالحُ من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك ألبتة خصوصاً الإمام أحمد؛ ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها، وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك اتباعاً لطريقة مقاتل؛ فلا يقتدى به في ذلك، إنما الاقتداء بأئمة الإسلام: كابن المبارك، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، ونحوهم، وكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين فضلا عن كلام الفلاسفة، ولم يدخل ذلك في كلام من سلم من قدح وجرح، وقد قال أبوزرعة الرازي: كل من كان عنده علم فلم يصن علمه واحتاج في نشره إلى شيء من الكلام فلستم منه.
الشَّرْحُ
مازال الشيخ يستطرد في ضرب أمثلة من العلوم غير النافعة، بل هي علوم ضارة، وضررها محض ثابت؛ فذكر منها ما اشتغلت بها الجهمية، والمعتزلة، وتابعتهم الماتريدية والأشاعرة، من إخضاع الكلام فيما يتعلق بذات الله، وأسمائه وصفاته إلى علم الكلام والمنطق، والبعد عن كتاب الله – تعالى – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك لما وقعوا في هذا المأزِق؛ اختلفوا اختلافا كثيرا، وهذا مصداق قول الله – جل وعلا – ? وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ?] النساء: 82 [.
لما ابتغوا العلم من المنطق والكلام ومن القلقلة التي لا تجدي، بل تضر؛ فإنهم وقعوا في الاختلاف؛ فمنهم من أنكر جميع الأسماء والصفات كجهم وأتباعه، ومنهم من أثبت الأسماء دون الصفات كالمعتزلة، ومنهم من اضطرب فأثبت البعض، ونفى البعض الآخر كما فعلت الأشاعرة والماتريدية.
أما أهل السنة فأثبتوا لله – تعالى – ما أثبت لنفسه، وما أثبته له رسوله – صلى الله عليه وسلم – ونفوا عنه ما نفى عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله – صلى الله عليه وسلم -، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تأويل؛ على حد قول الله – سبحانه وتعالى – ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ?] الشورى: 11 [.
لما أعرضوا عن القرآن، وجاءوا بعلم المنطق = ضيعهم، وأوقعهم في هذه الحيرة.
جهم لما درس على السُّمنية وعلى الفلاسفة وعلى المناطقة = ترك الصلاة أربعين يوما، ثم غاب عن الناس، ثم خرج بعقيدة الإرجاء، وبعقيدة نفي الأسماء والصفات (77).
الإرجاء:
قال: العمل ليس من الإيمان، وفتن الأمة بهذه المقولة؛ فرتبوا على ذلك: أنه لا فرق بين إيمان أبي بكر، وبين إيمان الزنادقة، والذين لا يؤدون من العمل شيئا، حتى ولو لم يصلوا، ولو لم يزكوا، ولو لم يأمروا بمعروف، ولو لم ينتهوا عن منكر؟!
فهؤلاء وقعوا في شر مما فروا منه، زعموا أنهم يريدون أن ينزهوا الله؛ قالوا: لو استوى على عرشه؛ للزم من الاستواء أن العرش يحيط به، أو يظله، أو يقله، أو يحمله، ولو نزل للزم من النزول أن يأتي بين السماوات وكذا!
ولو قلنا بصفة الوجه؛ للزم أن يكون هناك شعر، وعروق وما إلى ذلك، ولو قلنا بصفة القدم؛ لوجب وجود عروق وعظام وما إلى ذلك.
ولو قلنا بصفة المجيء؛ لترتب على ذلك أنه يجيء على شكل كذا وكذا، والله منزه عن ذلك، ولو أنهم أثبتوها كما نص الإمام مالك بقوله: (الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) (78)؛ لما وقعوا فيما وقعوا فيه.
إذًا وقعوا في هذا الأمر حتى أغوهم الشيطان، فوقعوا في نفي الأسماء والصفات، جاءت المعتزلة قالوا: الأسماء لا يمكن أن ننفيها، لكنها أسماء جوفاء لا معنى لها، وهذا نفسه ما وقع فيه جهم؛ فمن أثبت أسماء ليست لها معان = كما نفى الأسماء والصفات.
جاءت الأشاعرة – بعد ذلك - فأثبتوا البعض وأولوا البعض الآخر.
وهذه الطريقة يمجها العقل السليم والفطرة السليمة.
¥