تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جاء أعرابي إلى الجهم بن صفوان، وهو يقرر أن الله عليم بلا علم، حكيم بلا حكمة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، رحيم بلا رحمة، جواد بلا جود، وهكذا دواليك؛ فارتجل قصيدة ذم فيها جهما؛ أعني ذلك الأعرابي الذي على فطرته؛ فقال – أذكر لكم بعض أبياتها -:

ألا إن جهما كافر بان كفره /// ومن قال يوماً قول جهم فقد كفر

لقد جن جهم إذ يسمي إلهه // سميعاً بلا سمع بصيراً بلا بصر

عليماً بلا علم رضياً بلا رضا /// لطيفاً بلا لطف خبيراً بلا خبر

أيرضيك أن لو قال يا جهم قائل // أبوك امرؤ حر خطير بلا خطر

مليح بلا ملح بهي بلا بها /// طويل بلا طول يخالفه القصر

حليم بلا حلم وفي بلا وفا /// فبالعقل موصوف وبالجهل مشتهر

جواد بلا جود قوي بلا قوى /// كبير بلا كبر صغير بلا صغر

أمدحا تراه أم هجاء وسبة /// وهزأ كفاك الله يا أحمق البشر

فإنك شيطان بعثت لأمة /// تصيرهم عما قريب إلى سقر

والعياذ بالله!

راجعوا هذه الأبيات في كتاب (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) للألوسي – رحمه الله – محمود شكري الألوسي الأب صاحب كتاب (الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنيفة السادات) (79) وله مؤلفات كثيرة.

ما المقصود بالأحمدين؟

الشيخ ابن تيمية والهيتمي - بالتاء -.

الهيتمي: ابن حجر الهيتمي صاحب كتاب (الزواجر) (80)؛ لأنه اعتدى على شيخ الإسلام كثيرا بألفاظه البذيئة؛ فأجرى بينهما محاكمة؛ انتصر فيها لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى –.

إذًا هذه العلوم التي أفضت إلى هذا الحال = علوم ضارة؛ ولذلك بعضهم بعد أن كبر، وشعر بدنو أجله تبرأ من كل هذه العلوم، وكان أحدهم يقول - في علم الكلام -:

نهاية إقدام العقول عقال // وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا // وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثناطول عمرنا // سوى أن جمعنا فيه قيل وقال (81)

وقال آخر - والأول لعله الشهرستاني، والآخر أظنه الرازي - (82):

لعمر ي لقد طفت المعاهد كلها // وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر // على ذقن أو قارعا سن نادم (83)

فإذًا هذه حال من اشتغل بعلم الكلام والمنطق، وترك كتاب الله – عز وجل – وراءه ظهريا، وكل من اشتغل بالفلسفة، أوالمنطق = وقع في هذه المآزق، وفي هذا الاضطراب؛ ولذلك تجد كتبهم لا تجد فيها: قال الله وقال رسوله، إنما تجد قاعدة تنبي عليها أمور أخرى، المقدمة تنبي عليها نتائج، مثل النظريات، واقرأوا – إن شئتم – كتاب (المواقف) للأيجي، وكتاب (شروح الجوهرة) (84) وغيرها تجدونها كلها عبارة عن هراء، وكلام فارغ لا يمت إلى الدبن، ولا إلى العقيدة بصلة؛ فلنحذر من هذه الأمور التي تصل بأصحابها إلى الحيرة، ولنلزم هدي النبي – صلى الله عليه وسلم –.

الْمَتْنُ

ومن ذلك - أعني محدثات - العلوم ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إليها؛ وسواء أخالفت السنن أم وافقتها طرداً لتلك القواعد المقررة، وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة، لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيها؛ وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام على من أنكروه من فقهاء أهل الرأي بالحجاز والعراق، وبالغوا في ذمه وإنكاره، فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث؛ فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولا به عند الصحابة، ومن بعدهم، أو عند طائفة منهم؛ فأما ما اتفق على تركه؛ فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به.

قال عمر بن عبد العزيز: خذوا من الرأي ما يوافق من كان قبلكم؛ فإنهم كانوا أعلم منكم (85).

فأما ما خالف عمل أهل المدينة من الحديث؛ فهذا كان مالك يرى الأخذ بعمل أهل المدينة، والأكثرون أخذوا بالحديث (86).

ومما أنكره أئمة السلف: الجدال، والخصام، والمراء في مسائل الحلال والحرام - أيضاً -، ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام، وإنما أحدث ذلك بعدهم كما أحدثه فقهاء العراقين في مسائل الخلاف بين الشافعية والحنفية، وصنفوا كتب الخلاف، ووسعوا البحث والجدال فيها، وكل ذلك محدث لا أصل له.

وصار ذلك علمهم حتى شغلهم ذلك عن العلم النافع، وقد أنكر ذلك السلف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير