تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أشرف السلفي]ــــــــ[11 - 01 - 09, 06:41 م]ـ

الْمَتْنُ

وقد ورد النهي عن كثرة المسائل وعن أغلوطات المسائل وعن المسائل قبل وقوع الحوادث وفي ذلك ما يطول ذكره.

ومع هذا ففي كلام السلف والأئمة: كمالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق = التنبيه على مأخذ الفقه، ومدارك الأحكام بكلام وجيز مختصر يفهم به المقصود من غير إطالة ولا إسهاب، وفي كلامهم من رد الأقوال المخالفة للسنة بألطف إشارة، وأحسن عبارة؛ بحيث يغني ذلك من فهمه عن إطالة المتكلمين في ذلك بعدهم،بل ربما لم يتضمن تطويل كلام من بعدهم من الصواب في ذلك ما تضمنه كلام السلف والأئمة مع اختصاره وإيجازه؛ فما سكت من سكت عن كثرة الخصام والجدال من سلف الأمة: جهلا، ولا عجزاً؛ ولكن سكتوا عن علم وخشية للَّه.

وما تكلم من تكلم وتوسع من توسع بعدهم لاختصاصه بعلم دونهم، ولكن حباً للكلام، وقلة ورع. كما قال الحسن - وسمع قوما يتجادلون -: هؤلاء قوم ملوا العبادة وخف عليهم القول وقل ورعهم فتكلموا (102).

وقال مهدي بن ميمون: سمعت محمد بن سيرين وما رآه رجل ففطن له فقال إني أعلم ما يريد إني لو أردت أن أماريك كنت عالماً بأبواب المراء، وفي رواية قال أنا أعلم بالمراء منك ولكني لا أماريك (103).

وقال إبراهيم النخعي: ما خاصمت قط (104).

وقال عبد الكريم الجزري: ما خاصم ورع قط (105).

وقال جعفر بن محمد: إياكم والخصومات في الدين؛ فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق (106).

وكان عمر بن عبد العزيز يقول: إذا سمعت المراء فاقصر (107).

وقال: من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل (108).

وقال: إن السابقين عن علم وقفوا وببصر نافذ قد كفوا وكانوا هم أقوى على البحث لو بحثوا (109).

وكلام السلف في هذا المعنى كثير جداً.

الشَّرْحُ

هنا يبين المصنفُ: أن أكثر ما وقع الضلال في المتأخرين بسبب كثرة الجدل، وتشقيق المسائل.

أنا أذكر أنه مر بي في كتاب اسمه (الأسرار) للدبوسي؛ أربعة لوحات- مخطوط - كلها نقاش لرد حديث أبي هريرة رضي الله عنه في مسألة المصراة.

فيجادلون بغير فائدة؛ لأنهم ما عندهم إلا الجدل، وكثرة الكلام، والسلف كانوا يصمتون إلا إذا دعت الحاجة، يمتثلون قول النبي – صلى الله عليه وسلم – من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت (110)، وقول الله – عز وجل – قبل ذلك ? وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ?] الفرقان: 63 [.

وإن تشقيق المسائل وتفريعها بدون ضرورة كان من الأمور التي يكرهها السلف؛ ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم (111).

فـ (كثرة سؤالهم) يقصد بـ]ـه [الأسئلة المتعمقة المتكلَّفة التي فيها تنطع، روي عن أبي حنيفة – رحمه الله – أنه دخل عليه رجل ذو هيئة، وكان قد مد رجليه من العتب؛ فلما رأى ذلك الرجل كفكف رجليه وجلس معتدلا وما علم أن هذا الرجل جسم البغال وأحلام العصافير! فقال: أيها الشيخ! متى يفطر الصائم؟

فقال الإمام أبو حنيفة: إذا غربت الشمس.

قال: وإذا لم تغرب؟

قال: وإذا لم تغرب يمد أبو حنيفة رجليه ولا يبالي (112).

فإذا البعض أوتي أسئلة لا طائل تحتها، الله – عز وجل – لما سأل الكفارُ عما لا يعنيهم ? وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ?] الإسراء: 85 [.

? يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ?] الأعراف: 187 [.

فالأسئلة التي ليس فيها فائدة = إنما تعود على الإنسان بأن يشدد على نفسه، أو يَفْهَم أن هذا الجدل والتشقيق للمسائل = أنه يرفعه. بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – حذر من أولئك المتفاصحين الذين يبالغون في البلاغة، وفي البيان، وفي التورية، حتى يصبح ذلك معمى على الناس.

فالواجب البعد عن ذلك، وأن لا نسأل عن شيء حتى يقع (113)، وإذا وقع نسأل عنه بعد تثبت، وأن لا نصدق الإشاعات التي تروج هنا وهناك (114).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير