تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالبعد عن الجدل وعن كثرة الأسئلة التي لا طائل تحتها، والبعد عن الاختلاف نعمة كبرى، من وفق لها فقد أوتي خيرا كثيرا، وأما الذي يتكلف ويتعمق ويشغل الناس بما ليسوا بحاجة إليه، مثل بعض الكتب التي هي عبارة عن إنشاءات تخلو من قال الله، وقال رسوله، هذه كتب ليس فيها بركة، وأحيانا تبث سما زعافا في أروقة شبابنا؛ فيقعون فريسة لها.

فماذا بعد الحق إلا الضلال.

المسلم لا يجادل إلا بالحق، نعم تجوز المجادلة في حدود المعقول، ? وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ?] العنكبوت: 46 [، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ?] النحل: 125 [.

فإذًا لابد من الاجتهاد في مسك اللسان وكفه، وعدم إطلاقه في كل ما يخطر بالبال، وأولئك الذين يفرعون على المسائل - مسائل متكلَّفة، ما أنزل الله بها من سلطان، بعضها تتأسف أن توجد في الفقه الإسلامي، ولو أننا تأملنا سيرة السلف لوجدنا أنها لم تسمع من غير المتأخرين، وهذا كله بسبب بعدهم عن السنة؛ فكلما بعد الناس عن السنة، وعن تطبيق الكتاب والسنة = وقعوا في الجدل العقيم الذي لا يصلون فيها إلى بر النجاة.

والتعصب بلغ بين بعض المتفقهين من المتأخرين إلى حد الاقتتال (115) – والعياذ بالله – بل إنه كان يوجد في المسجد الحرام أربعة محاريب، حتى أزيلت – ولله الحمد - من أوائل عهد الملك عبد العزيز – يرحمه الله -.

وما أوتي قوم جدلا بعد هدى آتاهم إلا ضلوا (116)؛ لأنهم يشتغلون بالجدل ويتركون الهدى، ? وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ?] النساء: 82 [.

الْمَتْنُ

وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا؛ فظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين = فهو أعلم ممن ليس كذلك، وهذا جهل محض، وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكر، وعمر، وعلي، ومعاذ، وابن مسعود، وزيد بن ثابت كيف كانوا؟ = كلامهم أقل من كلام ابن عباس، وهم أعلم منه، وكذلك كلام التابعين = أكثر من كلام الصحابة؛ والصحابة أعلم منهم، وكذلك تابعو التابعين = كلامهم أكثر من كلام التابعين؛ والتابعون أعلم منهم؛ فليس العلم بكثرة الرواية (117)، ولا بكثرة المقال ولكنه نور يقذف في القلب يفهم به العبدُ الحقَّ ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد.

وقد كان النبي - صلي الله عليه وسلم - أوتي جوامع الكلم (118) واخْتُصِرَ له الكلامُ اختصاراً (119)؛ ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام والتوسع في القيل والقال، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن اللَه لم يبعث نبيا إلا مبلغاً وإن تشقيق الكلام من الشيطان (120).

يعني أن النبي – صلى الله عليه وسلم - إنما يتكلم بما يحصل به البلاغ.

وأما كثرة القول وتشقيق الكلام = فإنه مذموم.

وكانت خطب النبي - صلى الله عليه وسلم – قصداً (121). وكان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه (122).

وقال: إن من البيان سحراً (123). وإنما قاله في ذم ذلك لا مدحاً له كما ظن ذلك من ظنه؛ ومن تأمل سياق ألفاظ الحديث قطع بذلك.

وفي الترمذي، وغيره عن عبد الله بن عمرو - مرفوعاً - (أن اللَه يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها) (124)، وفي المعنى أحاديث كثيرة مرفوعة وموقوفة عن: عمر، وسعد، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم من الصحابة.

فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطه للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك.

وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم؛ فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير