تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الأوزاعي: العلم ما جاء عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما لم يجئ عنهم = فليس بعلم (136).

وكذا قال الإمام أحمد. وقال في التابعين: أنت مخير (137) - يعنى مخيرا في كتابته وتركه -.

وقد كان الزُهري يكتب ذلك، وخالفه صالح بن كيسان، ثم ندم على تركه كلام التابعين (138).

وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبي عبيد، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم؛ فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة، وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية، ونحوهم، وهو أشد مخالفة لها؛ لشذوذه عن الأئمة، وانفراده عنهم بفهم يفهمه، أو يأخذ مالم يأخذ به الأئمة من قبله.

فأما الدخول مع ذلك في كلام المتكلمين، أو الفلاسفة = فشر محض؛ وقل من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم كما قال أحمد: لا يخلو من نظر في الكلام من أن يتجهم. وكان هو وغيره من أئمة السلف يحذرون من أهل الكلام وأن ذبوا عن السنة.

الشَّرْحُ

يؤكد المصنف – رحمه الله تعالى – أن كلام السلف قليل وفيه خير كثير، وكلام الخلف كثير والغالب فيه أنه لا خير فيه (139).

وكان الإمام مالك، وأحمد، والشافعي، وعبد الله بن المبارك، والسفيانان وغيرهم من أئمة الهدى والدين يكتبون كلام أهل العلم القديم؛ فيستدلون به على المسائل، ويستفيدون منه، ولو أنك نظرت إلى الكتب التي يطلق عليها اسم السنة في العقيدة مثل:

(السنة) للإمام أحمد، و (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد، و (السنة) للخلال، و (السنة) لابن أبي عاصم، و (الإيمان) لأبي عبيد القاسم بن سلام، و (الإيمان) لابن أبي شيبة، و (الإيمان) لابن منده، و (شرح اعتقاد أصول السنة والجماعة) للالكائي؛ لو تأملت هذه الكتب = وجدتها مملوءة بكلام السلف الذي هو قليل وفوائده عظيمة؛ فقد كان السلف لا يلتفتون إلى بعض كلام المتأخرين الذين وصل بهم الحال إلى الترف الكلامي، وإلى فضول القول. وصل بهم الحال إلى أن الأشياء التي يجادلون فيها، أو يناقشون فيها ما هي إلا جدل بزنطي، حتى إنهم أصبحوا يأتون بمسائل يعني غريبة جدا، وافتراضات، واستطرادات ونحو ذلك.

تجد في بعض كتب الفقهاء المتأخرين ما يندى له الجبين، ولا ينبغي أن يحسب على الفقه الإسلامي، بينما كلام السلف هو من القلة بحيث يتمكن المسلم من استيعابه في أسرع وقت ممكن.

الْمَتْنُ

وأما ما يوجد في كلام من أحب الكلام المُحْدَث، واتبع أهله مِنْ ذم مَنْ لم يتوسع في الخصومات، والجدال، ونسبته إلى الجهل، أو إلى الحشو، أو إلى أنه غير عارف باللَه، أو غير عارف بدينه = فكل ذلك من خطوات الشيطان نعوذ باللَه منه.

ومما أحدث من العلوم: الكلام في العلوم الباطنة من المعارف، وأعمال القلوب، وتوابع ذلك؛ بمجرد الرأي والذوق، أو الكشف، وفيه خطر عظيم، وقد أنكره أعيان الأئمة كالإمام أحمد وغيرِه.

وكان أبو سليمان (140) يقول: ربما وقع في قلبي النكتةُ من نُكَتِ القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة (141).

وقال الجنيد: علمنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقه، لا يقتدى به (142).

الشَّرْحُ

هنا – أيضا – بعد أن بَيَّنَ المصنفُ: أن كلام السلف يتمثل في الإيجاز مع الفوائد الجمة، وكلام الخلف يتمثل في التوسع مع قلة الفوائد.

وبعد هذا – أيضا - يظن البعض: أن العلم هو في كلام هؤلاء الخلف، وأنهم بسبب تشقيق الكلام أعلم من السلف؛ ولذلك لهم مقالة مشهورة؛ لعلها مرت بكم في الحموية، عندما قالوا: كلام السلف أسلم، وكلام الخلف أعلم وأحكم؛ معنى هذا الكلام: أن كلام السلف أسلم (143)، يعني مثل ما يقولون في عرفنا الآن: فلان ابن حلال، يعني أجودي من الأجاويد، لكن لا يفهم بعض الأمور.

ومثل ما قال أحد المنظرين للحزبيين عن شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى -: إنه رجل موسوعة، عنده علوم، ويحفظ المتون، وطيب لكنه لا يستطيع أن يحل شبهة تعترض سبيله، ونحن – كما يقول – لا نريد علماء محنطين!! (144) ? كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ?] الكهف: 5 [.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير