تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم رأيت هذا المعنى قد جاء في هذا الحديث [الذي] () رواه أبو داود أيضًا وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن غَنْم عن أبي مالك الأشعري - _ - قال: قال رسول الله - ‘-: " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير"

هذا لفظ ابن ماجه وإسنادهما واحد وسيأتي إن شاء الله ذكره مع غيره) أ. هـ ()

فمثل هذا الأطروحات التي أباحت الغناء والمعازف لهي مما تزيدنا إيماناً بحديث: " ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " إذ ليس المراد من قوله - ‘ -: " يستحلون " مجرد المكابرة في عدم تحريم هذه الأشياء والمصادمة الصريحة الواضحة للنصوص الدالة على تحريمها وضربها عرض الحائط!!

لا.

بل المراد هو استحلالها بالتأويلات الضعيفة، والاستدلالات الواهية، والشبه الهزيلة.

وبناءً على ما سبق: فلا تغتر أيها القارئ الكريم بتزايد من يقول بإباحة الغناء في هذه الأيام فالأمر قد أخبرنا عنه المصطفى - ‘ - منذ أزمان!!

وليحذر من يتهافت على مثل هذه الأقوال من العقوبة المعجلة والمؤجلة، وإن ربك لبالمرصاد.

التنبيه الثاني:

في أهمية معرفة الكيفيات، والهيآت التي مر بها الغناء قبل الإسلام، وعند مجيء الإسلام، وبعد مجيئه، في تصور مدى ما كان عليه الموقف الشرعي تجاه هذه القضية، فموقف الشرع تجاه الغناء حينما كان بغير الدفوف، ليس كموقفه من الغناء مع الدفوف.

وموقف الصحابة بعد وفاة النبي - ‘ – من الغناء بآلات اللهو والمعازف ليس كموقفهم من الغناء مع الدف، أو من غير دف، وكذلك التابعين من بعدهم.

وهذه المواقف الشرعية من النبي- ‘ - ومن صحابته تجاه الغناء المتغايرة بحسب تغاير هيئات الغناء وأحواله هي التي أحدثت الفجوة - إما بغير قصد، وإما بقصد وهوى، وإما بتقليد - في فهمها عند المبيحين للغناء بإطلاق.

فخلطوا بين هذه المواقف الشرعية من الغناء، و بين النصوص الأخرى والوقائع العينية المتعددة الاحتمالات، واستغلوها – شعروا أم لم يشعروا - في تأييد رأيهم بإباحة الغناء مطلقاً.

ولذا فإن الحديث عن مراحل الغناء سيكون عبر ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: المرحلة التي مر بها الغناء قبل الإسلام.

كان الغناء قبل الإسلام معروفاً عند أهل المدن والعمران الذين عاشوا حياة الترف وانهمكوا في الملذات، وانغمسوا في الشهوات بعد أن توفرت لهم أسباب المعيشة الهنيئة، ومقومات الحياة الأساسية، كما هي العادة في النفس البشرية حين يكثر عندها الفراغ ولم تشغل بالطاعة وبما يعود عليها بالنفع في دينها أو دنياها، حينها تكون النتيجة الطبيعية وهي الانشغال بغير ذلك مما قد يكون له الأثر السلبي على الدين أو الدنيا.

ولذا كثر الغناء والتفنن فيه وبآلاته ومعازفه عند فارس والروم، ولم يكن للعرب آنذاك اهتمامٌ يذكر بالغناء وآلات الملاهي سوى البدائي منها كالدف والمزمار لانهماكهم في طلب المعيشة، ومقومات الحياة الأساسية، ولانشغالهم كذلك بالحروب الطاحنة بينهم في جزيرة العرب ().

إذاً فالغناء الذي كان عند العرب قبل الإسلام:

هو الغناء البدائي من الحداء والنصب من غير آلات طرب ومعازف، أو مع البدائي منها كالدف والمزمار. فالغناء عندهم يشمل النوعين السابقين.

النقطة الثانية: المرحلة التي مر بها الغناء عند مجيء الإسلام.

في هذه المرحلة يغنينا عن الكلام فيها ما سطره يراع الحافظ ابن رجب - رحمه الله - حيث يقول: " ولا ريب أن العرب كان لهم غناء يتغنون به، وكان لهم دفوف يضربون بها، وكان غناؤهم بأشعار الجاهلية من ذكر الحروب وندب من قتل فيها، وكانت دفوفهم مثل الغرابيل، ليس فيها جلاجل، كما في حديث عائشة، عن النبي - ‘ -: " أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال " خرجه الترمذي وابن ماجه، بإسناد فيه ضعف.

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرخص لهم في أوقات الأفراح، كالأعياد والنكاح وقدوم الغيّاب في الضرب للجواري بالدفوف، والتغني مع ذلك بهذه الأشعار، وما كان في معناها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير