23ــ «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقِنَا عذابَ النار» (6).
24ــ «اللهم إنا نعوذ بِرضَاك من سَخَطِكَ، وبُمعَافاتكَ من عُقُوبَتِكَ، وبك منك، لا نُحصِي
ثَنَاءٌ عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (1).
25ــ «اللهم صَلَّ على النبي الأمي وصحبه وَسَلَّمْ» (2).
المبحث الثاني
في التصحيح
وهو في التنبيهات الآتية:
* التنبيه الأول: أن التلحين، والتطريب، والتغني، والتقعر، والتمطيط في أدَاءِ الدعاء، مُنْكَرٌ عظيم، يُنافي الضراعة، والابتهال، والعبودية، وداعِيةٌ للرياء، والإعجاب، وتكثير جمع المعجبين به.
وقد أنكر أهل العلم على من يفعل ذلك في القديم، والحديث.
فعلى من وفقه الله ــ تعالى ــ وصار إماماً للناس في الصلوات، وقنتَ في الوترِ، أن يجتهدَ في تصحيح النية، وأن يُلْقِيَ الدعاء بصوته المعتاد، بضراعة وابتهال، مُتَخَلَّصاً مما ذُكِرَ، مجتنباً هذه التكلفات الصارفة لقلبه عن التعلق بربه.
* التنبيه الثاني: يُجْتَنَبُ جَلْبُ أدعية مخترعة، لا أصل لها، فيها إغْراب في صيغتها وسجعها، وتكلفها؛ حتى إن الإمام ليتكلف حفظها، ويَتَصَيَّدهَا تَصَيُّداً؛ ولذا يَكثُرُ غلطه في إلقائها، ومع ذلك تراه يلتزمها، ويتخذها شعاراً، وكأنما أحيا سُنَّة هجرتها الأُمَّة.
* التنبيه الثالث: وَيُجْتَنَبُ التزام أدعية وردت في روايات لا تصح عن النبي r؛ لأن في سندِها كذاباً، أو متهماً بالكذب، أو ضعيفاً لا يُقْبَلُ حديثه، وهكذا.
منها حديث فُرَاتٍ عن علي ــ t ــ قال: قال لي علي: «ألا يقوم أحد فيصلي أربع ركعات، ويقول فيهن ما كان رسول الله r: « تَمَّ نُوْرُكَ فَهَدَيْتَ فَلَكَ الحَمْدُ، عَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوْتَ فَلَكَ الحَمْدُ ... إلى قوله: ولا يَبْلُغُ مِدُحَتَكَ قَوْلُ قَائِلٍِ». رواه أبو يعلى بسند ضعيف؛ لأن فيه عدة علل، منها أن فُرَاتَ بن سلمان لم يَلْقَ علياً ــ t ــ فهو منقطع الإسناد.
ومع ذلك تسمع من يُجْهدُ نفسه بهذا الذكر، فَيَغْلَطُ فيه، ثم يَغْلَط، فهو في مجاهدة مع ذاكرته حتى يأتي به، ولو أخذ بالصحيح الثابت عن النبي r وهو ذكر مبارك سهل ميسور؛ لكان أَبَرَّ وأبْرَك وأقربَ للإجابة، وتأسَّياً بالنبي r بما دعا به رَبَّه ــ سبحانه ــ.
ومنها: ما يُروى عن أنس مرفوعاً أن الرسول r مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته وهو يقول: «يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون ... إلى أن قال: يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار ... الحديث». أخرجه الطبراني في «الأوسط» بسند فرد فيه من لا يُعرف، وهو شيخ الطبراني، وتدليس أحد رواته، مع ثقته.
ومنها ما يُروى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ــ y ــ قال: «نزل جبريل على النبي r حتى ذكر كلمات من كنوز العرش، وهي:
«يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة ... إلى قوله: أسألك يا الله أن لا تشوي خلقي بالنار» رواه الحاكم في «المستدرك» وقال: «صحيح الإسناد، فإن رواته كلهم مدنيون ثقات».
وقد تعقبه الحافظ الذهبي في ترجمة: أحمد بن داود الصنعاني في «الميزان» (1/ 136)
فقال: «أتى بخبر لا يُحتمل، ثم ذكره» ثم علق على قول الحاكم المذكور بقوله: «قال: الحاكم:
صحيح الإسناد. قلت: كلا.
قال: فرواته كلهم مدنيون. قلت: كلا.
قال: ثقات. قلت: أنا أتهم به أحمد.
وأما أفلح بن كثير، فذكره ابن أبي حاتم، ولم يتكلم عنه بشيء» انتهى.
فانظر ــ نعوذ بالله من الخذلان ــ كيف يتعلق الداعي بحديث هذه منزلته، ويهجر الدعاء بآيات القرآن العظيم، وما يثبت في «الصحيحين» وغيرهما عن النبي r؟
ومنها: التزام ما ورد بسند فيه واهي الحديث، فلا يصح، ومنه: «اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هَمّاً إلا فَرَّجْتَه، ولا ديناً إلا قَضَيْتَه، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها برحمتك، يا أرحم الراحمين». وهو دعاء حسن لا يظهر فيه محذور.
لكن يحصل الغلط من جهات هي: هجر الصحيح، والتزام ما لم يصح، والزيادة فيه بلفظ محتمل، وهو: «في مقامنا هذا» فتحتمل أن يكون شرطاً على الله فهو باطل، ثم الزيادة بسجعات أضعافها.
وهكذا من تتابع سجع متكلف، ودعاء مخترع لبعض المستجدات حتى قاربت العشرين على هذا الرَّوي، والنمط.
¥