بدا لي أن ثمّ (عدم وضوح) لفكرة مهمة في التعليم، ألا وهي الفصل بين نظامين مختلفين للتعليم هي (نظام الشيخ- الطالب)
أو المسجد والكُتّاب ـو التعليم الإسلامي الكلاسيكي، وما يزال له قصب السبق في تجويد القرآن الكريم وفن الخطابة
، وبين النظام التعليمي الغربي الذي يمتاز بدقة التحول المرحلي واعتماد المنهج العلمي الذي قام على (العين والزجاج)
بدلا من (الأذن والسماع) التي ما تزال أولى في النظام الكلاسيكي.
فالذي يريد أن يدرس ماجستير فلا يسأل عن شيخ أو شيوخ، لأنها شهادة غربية وفق طريقة غربية
وبمنهج عيني لا أذني ..
وعليه تكون المغرب متقدمة على المشرق لأسباب عديدة أهمها أنهم يفصلون بين النظامين على عكس الخلط عندنا
، وبسبب هذا الفصل الضروري _ وهو غير واضح لدى عموم المشارقة الوضوح الكافي- فإن المغاربة كما قال أحدهم
بحق أقل تبجحاً وأكثر واقعية ..
وحسبهم فخراً مشروع الأستاذ الجابري _ حفظه الله تعالى ونفع بعلمه_ في رباعية نقد العقل (أي طريقة التفكير) العربي
[خصص الجزئين الأولين لنقد العقل النظري وأسماهما تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي، قسم فيهما نظم المعرفة في الثقافة العربية إلى
بيان (يشمل النحو والفقه والحديث وأهم منظر لنظام البيان هو الإمام الشافعي رحمه الله)،
وبرهان يعتمد الواقع المحسوس وما نقل من علوم الأوائل (أرسطو في المنطق، وجالينوس في الطب، وإقليدس في الهندسة وأهم أقطابه في الثقافة العربية الفلاسفة والأطباء والعلماء التجريبيين)،
والعرفان [الغنوص] (وهو ادعاء وجود مصدر للمعرفة متعالٍ على الحسّ، وأشهر مروجيه الهرمسيين ومن تأثر بهم كالشيعة والصوفية). ولكل من هاتيك النظم الثلاثة مكتبة حفظ التاريخ منها قسطا لا بأس به، وقد حاول كثير
من الموسوعيين الاستفادة أو المزج بين هذه النظم الثلاثة
ــــ المزج بين البيان والبرهان، المعتزلة ـ وابن حزمـ وعموم اهل الأندلس
ــــ المزج بين البيان والعرفان، مع تقديم البيان عموم أهل السنة ممن لم يكتفوا بالبيان،على اختلاف فرقهم.
ـــــ توظيف البيان والبرهان في خدمة العرفان (الغنوص)، الشيعة]
ويلاحظ على نظرية الأستاذ الجابري قدرتها عل تصنيف الفرق والنحل -معرفيا- بحسب نسبة استفادتها واعتمادها على
أحد هذه النظم.
ولا شك أن البرهان قد تطور منذ استخدم غاليلو الزجاج فنشأ العلم الحديث بالتحول الى العين من الأذن.
وما تزال الجامعات الغربية في مسيرة منذ أربعمئة سنة تقوم بإخضاع كل ما روته الأذن لقوانين العين.
أما الجزءان الثالث والرابع فخصصهما الأستاذ الجابري لتقد العقل العملي (السياسي والأخلاقي)، وهما دون الأولين في نظر مولفهما نفسه.
ومن أهم ما أضافه هو إلى العلوم الشرعية محاولته الكشف عن الأسباب السياسية لمحنة خلق القرآن في كتابه الصغير الحجم العظيم القدر (المثقفون في الحضارة العربية محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد)، وإذا عددنا العلم كله آلةٌ وموضوعٌ، وآلةُ العلمِ هي العقلُ فإن كتابه القديم (تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة) ما رأت عيناي مثله في بابه باللغة العربية على الرغم من مضيّ ثلاثين سنة. ومن ثمّ فإن إكمال الطالب لدراسته العليا في المغرب أمر لا أشك من وجهة نظري المتواضعة بأن فيه خيرا كثيرا.
ويمكن القول إن الروح الحزمية المؤمنة بقواعد البرهان والساعية لتأسيس البيان على البرهان (وهو مسعى جامعات الغرب منذ أربعمئة سنة) هو السبب في تميز الأندلسيين وأهل المغرب، لأن العرفانيين لم يستطيعوا إلغاء الروح الحزمية، ويسميها الأستاذ الجابري الروح الرشدية مع اعترافه أن ابن حزم قد أثمر ثورات ثقافية معرفية
أندلسية ضد المشارقة تجلت في ابن حزم نفسه فقهيا، وابن مضاء نحويا، وابن رشد وابن باجة فلسفيا، وابن تومرت في
علم الكلام، بل إنه قال إن آخر أنوار الروح الحزمية كانت (مقدمة ابن خلدون).
ولا شك أن طلبة العلوم الشرعية يشعرون بتميز العلماء الواقعين تحت مجال الروح الحزمية كابن فرح وابن دحية وجميع أهل الأندلس في نفورهم من العرفان وميلهم إلى البرهان رغم كونهم بيانيين
باختصار، من أراد أن يصبح شيخا فليبق في المشرق، ومن أراد أن يصبح دكتورا فليدرس في المغرب. أو في الغرب إن قدِر.وأما الشيخ الدكتور فبدعة غير حسنة،،
والله من وراء القصد
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[08 Dec 2007, 06:36 م]ـ
اسمح لي أخي الدكتور عبد الرحمن الصالح أن أقول لك إني أوافقك على قولك بأن المغرب متقدم على المشرق في كل ما يتعلق بالدراسات الحديثة وأن من أراد أن يصبح دكتورا فليدرس في المغرب،و هي شهادة منك نعتز بها ونسجلها بأحرف بارزة على جبين نظام التعليم بالمغرب
أما قولك:من أراد أن يصبح شيخا فليبق في المشرق، فلا نوافقك عليه لأن المغرب ما يزال محافظا على النمط القديم متمسكا به بشكل لا نتصور له نظيرا
إن في المغرب نوعين من التعليم القديم: أحدهما يسمى: التعليم الأصيل وله مدارسه ومعاهده وعلى رأسه جامعة القرويين بكلياتها الثلاث: كلية الشريعة وكلية اللغة العربية وكلية أصول الدين
وثانيهما: التعليم العتيق وتنتشر مدارسه ومعاهده في كثير من جهات المملكة المغربية ويعتمد الأسالبيب القديمة القائمة على الحفظ والرواية والدراية والتمكن من العلوم الإسلامية بشكل كبير وتنتهي فيه الدراسة في مختلف العلوم والفنون بإجازات الشيوخ
وأصبح متاحا في السنواتالأخيرة لمن أراد متابعة الدراسة بجامع القرويين بفاس للحصول على شهادة العالمية وينتظر قريبا يفتح جامع ابن يوسف بمراكش أبوابه أمام الراغبين في متابعة دراستهم على هذا المنوال
¥