نحن من جيل تربى ألا يبوح بمشاعره إلا في حال الموت فعند فقد الحبيب، تتزاحم المشاعر المدفونة، وإن كان الأولى أن تنطق بالفضل لأهل الفضل منذ معرفتهم.
وفي ليلة الأحد السابع من شهر ذي الحجة جاء نبأ وفاة الوالد الجليل والشيخ الكريم الدكتور علي بن عبدالله الجمعة رحمه الله. وكم كان وقع اللوعة والأسى شديداً على قلبي ليس لأنه من العلماء العاملين والدعاة الناصحين والذين يجودون بعلمهم ووقتهم فحسب بل لمعاني أبوة وبنوة تربطني به رحمه الله.
تتلمذت على يد الشيخ في أروقة كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم ومنذ أول يوم جلست معه في قاعة الدرس وأنا كغيري اكتشف فيَّ الشيخ معاني عظيمة يفقدها كثير من المعلمين والمربين ولعل من أبرزها ما يبثه من الشعور الغامر لكل طلابه من الأبوة الحانية وبساطة التعامل والرحمة والشفقة وحب الخير لهم وتشجعيهم والسؤال عنهم وتلمس حاجاتهم.
وكان في تدريسه نعم الشيخ الصالح والمربي الناصح والمتواضع الكريم مع التبسط مع طلابه ورفع الكلفة بينه وطلابه.
لقد كان الشيخ الدكتور علي الجمعة رحمه الله يشعرك بأبوته الحانية بحرصه على طلابه بالسؤال عنهم ومتابعة مسيرتهم العلمية وتذليل العقبات أمامهم وحمل همومهم.
وتولى فترة من حياته العملية رئاسة قسمه العلمي الذي ينتسب إليه قسم السنة وعلومها فكنا في الأقسام الأخرى نغبط زملاءنا في قسم السنة أن شيخهم كان أباً مفضالاً قبل أن يكون مسؤولاً مع ما عرف عن الشيخ فترة رئاسته من قدرة إدارية متميزة وحسن ترتيب لأوراقه الإدارية ومتابعة أعماله أولاً بأول والعناية الكاملة بجميع منسوبي القسم في بحوثهم ودراساتهم وترقياتهم بشكل يشعرك بأنه يحمل همومهم جميعاً. وخارج الجامعة عرف الشيخ بخصال العلماء النبلاء فالحلق العلمية في مسجده عامرة بدروسه اليومية وبمشاركته بالدورات العلمية والمحاضرات التوجيهية لم يتوقف حتى أنهكه المرض وأعياه.
ومكتبته المنزلية شاهدة له بالمرتادين من ذوي الحاجات والشفاعات وحل المشكلات والخصومات والصلح بين الناس خصوصاً الزوجية منها، وهاتفه الثابت والمحمول ناطقان لو تكلما بسعة صدره وشفقته ونصحه للسائلين والمستفيدين والمستفتين والمستشيرين بلا كلل ولا ملل.
وفي مجال الدعوة إلى الله تعالى ونفع الناس ومشاركتهم همومهم الاجتماعية فهو معروف ببذل الخير والسعي فيه حتى أصبح هذا العمل الجليل يشغل وقته وهاجسه وتفكيره وهو مؤسس المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بحي الفايزية ببريدة ورئيس مجلس إدارته وهو كذلك رئيس مجلس إدارة مركز الحي الاجتماعي بالفايزية وكان من المؤسسين لدارين خيريتين لتحفيظ القرآن الكريم.
لقد كان من معالم تربيته لطلابه تشجيعهم وحثهم على بذل الخير ومباركة جهودهم فكان لهم دافعاً ومحفزاً وداعياً وشاكراً يحمل همومهم ويقدم المشورة والنصح. جمع الله للشيخ أخلاقاً زكية وآداباً علية فلا تسمع منه إلا أحسن القول وجميل المنطق ولا ترى منه إلا طيب المعشر وصدق الدعابة وطلاقة المحيا والابتسامة اللطيفة والبشاشة الآسرة مع حلم يزينه وكرم يكسوه. وإن أردنا أن نعدد حسن خصاله فلن أستطيع لها حصراً ولكن حسبه ما جلبه الله عليه من صفاء السيرة وطهارة القلب وحب الخير لكل الناس.
وتمت أمور وأمور في حياة الشيخ في كفاحه وقوة عزيمته وفي تعليمه وأبوته وفي بذله وجوده في أخلاقه وتعامله وفي جهوده في وجود الخير والبر لا يسمح المقام في ذكرها ولعل لها موضعاً آخر ولكن ما تقدم إطلالة في يوم وفاته سطرتها على عجل تنويهاً بفضله وتذكيراً بالدعاء له خصوصاً من طلابه ومحبيه وأسأل الله أن ينزله منازل الصالحين وأن يلحقه بالنبيين ويخلفه في عقبه في الصالحين والحمد لله رب العالمين.
رابط المقال:
http://archive.al-jazirah.com.sa/2008jaz/mar/24//rj5.htm