تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و لقد زعم كثير من إخواننا، و وصل إليَّ ذلك: أني ضقت بنقد الأستاذ السيد صقر في المرتين. و ما أظن الذي زعم ذلك أو توهمه يعرف شيئاً من خلقي. فما ضاق صدري بشيء من نقد قط، لاَنَ أو قسا، و العلم أمانة.

بل إني لأرى أن الضيق بالنقد و التسامي عليه ليس [من] أخلاق العلماء، و ليس من أخلاق المؤمنين. إنما هو الغرور العلمي، و الكبرياء الكاذبة، و حسبنا في ذلك قول الله تعالى {و إذا قبل له اتق اللهَ أخذته العزَّةُ بالإثم}. و ما قال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، إذ ردّت عليه امرأة، و هو على المنبر يخطب خير مجتمع ظهر على وجه الأرض، قال كلمة صريحة بينة: " امرأة أصابت و رجل أخطأ ". لم تأخذه العزة بالإثم، و تسامى على الكبرياء و الغرور. عمر هو عمر.

ثم ما هذه الفاشية المنكرة التي فشت بين المنتسبين للعلم؟ سأتحدث عن نفسي مضطراً حتى لا أمسَّ غيري:

أنا أرى أن من حقي أن أنقد من أشاء، و أن أقسو في النقد ما أشاء، فمن ذا الذي يزعم لي، أو يزعم لنفسه، ان ينقد الناس و أن يقسو عليهم في النقد، ثم يرى من حقه عليهم أن ينقدوه، و أن لا يتحدثوا عنه ـ إن إذن لهم في الحديث ـ إلا برفق و لين و ملق و نفاق، مما يسمونه في هذا العصر العجيب " مجاملة "!!

لقد رجوت الأستاذ السيد صقر أن ينتقد الجزء الأول من " الشعر و الشعراء " حين صدوره، و قرأت نقده قبل أن يطبع في مجلة " الكتاب " الغراء، و لم أجد في هذا غضاضة عليَّ قط، و إن كثيراً من إخواني ليعرفون هذا الذي أقول، و قد عجبوا منه في حينه، و لم أره موضعًا للعَجَب. ثم رجوته أن ينقد الجزء الثاني حين صدوره أيضًا. و لم أر في نقده ما يمسني من قريب أو من بعيد.

و هذا رأي الذي رُبيت عليه و اعتنقته طول حياتي: أن لي أن أنقد آراء الناس في حدود ما أستطيع من علم، و أن لهم أن ينقدوا آرائس في حدود ما يستطيعون من علم.

و سأذكر بعض المُثل، عسى أن يكون فيها عظة و عبرة:

يذكر الناس ما يدور كل عام مرارًا من جدال حول إثبات أوائل الشهور العربية: أبالرؤية أم بالحساب. و كتب الناس في هذا كثيرًا، و كتب مرارًا. و كان من رأيي التمسك بالرؤية وحدها، و كان ذا رأي والدي الشيخ محمد شاكر رحمه الله، و كتب في وشدد. ثم بدا لي غير ذلك، في حياة أبي. فنشرت رسالة صغيرة في شهر ذي الحجة سنة 1357 5 فبراير 1939)، اسمها " أوائل الشهور العربية ". و كان مما قلت فيها (ص15) بالحرف الواحد: لقد كان للأستاذ الأكبر الشيخ المراغي ـ منذ أكثر من عشر سنين: حين كان رئيس المحكمة العليا الشرعية ـ رأي في رد شهادة الشهود، إذا كان الحساب يقطع بعدم إمكان الرؤية، كالرأي الذي نقلته هنا عن تقي الدين السبكي، و أثار رأيه هذا جدالاً شديدًا، و كان والدي و كنت أنا و بعض إخواني ممن خالف الأستاذ الأكبر في رأيه. و لكني أصرح الآن بأنه كان على صواب و أزيد عليه وجوب إثبات الأهلة بالحساب، في كل الأحوال، إلا لمن استعصى عليه العلم به " فلم أجد غضاضة على والدي رحمه الله ـ في علمه و فضله الذي يعرفه الجم الغفير من الناس ـ أن أعلن في كتاب منشور خلاف رأيه و رأيي، و الرّضد عليه و على نفسي.

بل أنا أخرج منذ بضع سنين، كتاب (المسند) للإمام أحمد بن حنبل، بتحقيقي و شرحي، و قد أخرجت منه إلى الآن 8 مجلدات [2]، رأيت بعد إتمام المجلد الثاني منها أنه فاتني شيء كثير، من الشرح و التخريج، و من التحقيق و التعليل، و أنه ندت عني أخطاء علمية مهمة، و أن مثل ذلك سيكون في الأجزاء القادمة، مهما أحرص على أن لا يكون، و أن الأمانة أن أبين كل شيء ما استطعت، فاستحدثت في آخر الجزء الثالث، ثم في آخر كل جزء ظهر أو سيظهر إن شاء الله، بابًا في " الاستدراك و التعقيب "، رجوت في أوله إخواني من علماء الحديث في أقطار الأرض أن يرسلوا لي كل ما يجدون من ملاحظة أو استدراك أو تعقيب أو بحث، و جعلت لهذه الاستدراكات أرقامًا متتابعة، و قد بلغ عدد الأحاديث التي نشرت في المجلدات السبعة 5580 حديثا، و بلغ عدد الاستدراكات عليها، التي نشرت في آخر المجلدات الثامن 1789 استدراكًا، كلها مما تعقبته على عملي و نقدته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير