وكنت ألتقي بالمعايرجي أنا والعسّال وعبد الحليم أبوشقة ومحمد مصطفى الأعظمي، الذي كان يعمل أمينًا عامًّا لمكتبات الحاكم، ورغم أنه هندي، فإن الدعوة إلى الإسلام كانت هي النسب الذي يضم الجميع، كما أن سجن عبد الناصر له في مصر قرب ما بيننا، ولما عاد عز الدين إبراهيم من لندن بعد أن حصل على الدكتوراة في اللغة العربية من جامعة كامبريدج: انضم إلى المجموعة التي كانت تلتقي كل أسبوع مرة، وفي الغالب كنا نطرح كل مرة موضوعًا علميًّا أو تربويًّا أو إسلاميًّا أو من واقع الحياة.
ثم سافر المعايرجي إلى ألمانيا للحصول على الدكتوراة، وهو يحمل بكالوريوس من كلية الزراعة، وقد حصل على الدكتوراة في علم البكتيريا، ولكن الذي يحتك به يدرك أن ثقافته العلمية أوسع من تخصصه. لأنه لم يحبس نفسه في دائرة تخصصه، كما يفعل كثير من الأكاديميين العلميين الذين إذا أخرجت أحدهم من تخصصه، حسبته في عداد الأميين، وهذا نتيجة التقوقع في التخصص.
ولكن المعايرجي كان يقرأ دائمًا خارج تخصصه، وخصوصًا ما يتعلق بالإسلام والمسلمين، فهو مركز الدائرة بالنسبة لقراءاته واهتماماته. وعلى الأخص: ما يتعلق بالقرآن الكريم، وترجمة معانيه إلى اللغات الأجنبية، فقد أمسى هذا الموضوع أكبر همّه، في المراحل الأخيرة من حياته، فقد اهتم به وتفرغ له، وأعطاه من وقته وجهده ما يستحق في نظره.
ولما رجع من ألمانيا في عهد الشيخ خليفة بن حمد، وكان هو من المحسوبين على الشيخ أحمد بن علي الذي عزل عن الحكم بعد الحركة التصحيحية التي قام بها الشيخ خليفة في 22 فبراير 1972، لم يجد المعايرجي الباب مغلقًا في وجهه، فقد كانت علاقته بالشيخ حمد بن خليفة طيبة؛ إذ كان ممن درّسه مع أبناء الشيخ أحمد بن علي، فلا غرو أن سهّل له الشيخ حمد الرجوع إلى البلاد، كما أوصى أن يفسح له المجال في جامعة قطر. وكان الأستاذ الدكتور إبراهيم كاظم مدير الجامعة يعرفه من قبل، وهذا ما مكّنه من العمل أمينًا عامًّا لمركز البحوث العلمية التطبيقية الذي أصبح له وضعه ومكانته في جامعة قطر.
وكان المعايرجي مع عمله الرسمي، يرى أن عليه واجبًا آخر هو مسئول عنه أمام الله وأمام الأمة، وهو العمل للإسلام والقرآن الذي يرى أن الأمة الإسلامية قد فرطت كثيرًا في حقه، ولم تعطِه من العناية ما هو أهل له، وهو كتاب الله الذي فصلت آياته ثم أحكمت من لدن حكيم خبير .. "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد". جعله الله منهاجًا للفرد، ودستورًا للأمة، وقانونًا للدولة، وضمن له الخلود والبقاء، "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
ويجب على الأمة الآن أن تنقله إلى العالم، حتى تتحقق عالمية الإسلام الذي خاطب فيه رسوله فقال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال سبحانه: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا"، وقال عن هذا القرآن: "إن هو إلا ذكر للعالمين". فكيف يكون للعالمين، وقد نزل بلسان عربي مبين؟ .. لا يكون ذلك إلا بترجمة معانيه إلى لغات العالم.
وقد فعل ذلك النصارى، فترجموا الإنجيل إلى لغات العالم الأصلية والتابعة، بل إلى لهجات العالم. مع أن دينهم في الأصل ليس دينًا عالميًّا فإنما أرسل الله الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم إلى أقوامهم، ومنهم المسيح عيسى الذي أُرسل إلى بني إسرائيل، وهو قال في إنجيله: إنما بعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة!!.
فكيف بدين أعلن من أول يوم، ومنذ العهد المكي: أنه أرسل إلى الناس كافة. كما قال تعالى في سورة الأعراف: "قل يا أيها الناس إني رسول الله لكم جميعًا" "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا"؟؟.
عُنِي الدكتور المعايرجي بترجمات القرآن إلى لغات العالم المختلفة فتتبع تاريخها، وعرف قيمة كل منها من الدقة والأمانة والموضوعية، وجمع من الترجمات المتنوعة من شتى اللغات ما كوَّن مكتبة علمية منقطعة النظير، ومن واجب الأمة أن تحافظ على هذه المكتبة وتنتفع بها. وأولى الناس بذلك هو دولة قطر التي عاش فيها المعايرجي إلى أن لقي ربه رحمه الله.
¥