كان القرآن وخدمة القرآن، وتبليغ دعوة القرآن إلى العالم، هو الشغل الشاغل للدكتور المعايرجي في سنينه الأخيرة، وكان لا يلقى عالمًا كبيرًا أو مفكرًا مرموقًا، أو مسئولاً ذا بال، إلا وحدثه عن القرآن، وواجبه نحو القرآن، ومسئولية الأمة عن القرآن.
وكان هناك أمر يفكر فيه باستمرار، وبات يشغله بالنهار، ويحلم به بالليل، وهو ما سماه (الهيئة العالمية للقرآن الكريم).
وكان يتعجب ويقول: إن هناك أمورًا ليس لها أهمية القرآن ولا عشر معشاره، ومع هذا أنشئت لها مؤسسات وهيئات عالمية، أفلا يبلغ القرآن وهو الآية الكبرى والمعجزة العظمى للإسلام ونبيه - مبلغ هذه الأمور؟!.
وكيف لأمة يبلغ عددها مليارًا وثلاثمائة مليون من المسلمين أو أكثر لا تعطي الاهتمام الكافي اللائق لكتابها المقدس الذي ختم الله به كتب السماء، وحفظه من كل تغيير وتحريف؟!.
وقد كتب الدكتور المعايرجي كتابه عن القرآن وترجماته المتعددة، وواجب الأمة نحوه، وحلمه في إنشاء الهيئة العالمية لخدمته والدعوة إليه، والمحافظة عليه، وجعل عنوانه (الهيئة العالمية للقرآن الكريم) وطلب إليّ أن أكتب له مقدمة، فكتبتها، استجابة لطلبه ووفاء بحقه، وتحقيقًا لأمله، وتنويهاً بمكانة هذه الهيئة التي يطلبها ويلحّ في طلبها، وهي ليست بالأمر المستحيل ولا الأمر الذي يشق تحقيقه مشقة بالغة، بل هو يسير على من يسّره الله عليه.
ولقد ظل المعايرجي يسعى حثيثًا لدى المسئولين المعنيين في قطر حول هذا الهدف المنشود، حتى تكونت لجنة برئاستي، تضم عدداً من المهتمين من الديوان الأميري ومن الجامعة، ومن الأوقاف، وقد اجتمعنا مرات عدة، وناقشنا الأمر من وجوهه المختلفة العلمية والتقنية والمالية، وما يتطلبه من قوى بشرية ومن مقدرات مالية، وكتبنا بذلك تقريرًا موقعًا عليه من أعضاء اللجنة قُدّم إلى الديوان الأميري.
ولكن للأسف لم تظهر نتيجة لهذا التقرير، وجُمد في الأدراج، برغم متابعة الدكتور له؛ إذ لم يجد أذنًا صاغية من المسئولين عن هذا الشأن في الديوان، ولم تتح فرصة لمقابلة الأمير لشرح هذا الموضوع له، وهو أهل لأن يهتم بمثله إذا اقتنع به.
وكانت خيبة الدكتور المعايرجي كبيرة، وصدمته بإهماله قاسية. فقد وضع كل آماله وأحلامه في نجاح هذا المشروع، وقيام دولة قطر به، وهي أهل لذلك، ولكن قطر خيبت ظنه، وحطمت بقسوة حلم حياته، ومشروع مستقبله، فأصابه من التأسي والكدر ما أصابه، وأظلمت الدنيا في وجهه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه، ودخل في حالة بائسة من الاكتئاب الشديد، وانقطع عن الناس، كما انقطع الناس عنه لا يزور ولا يزار، ولم يكن يخرج من البيت، بل ظل فترة طويلة لا ينزل من الدور الثاني الذي هو مقيم فيه، إلى الدور الأول من المنزل، وكأنما هو محتج على الناس في قطر وفي غير قطر، على العرب، وعلى المسلمين في كل مكان، حيث خذلوه ولم ينصروه، وأعرضوا عن دعوته، ولم يجيبوه، وانعكست كآبة نفسه على صلابة جسده، فانهار هذا الجسد تحت مطرقة الكآبة والهم والحزن.
هذا مع أن شخصيته شخصية انبساطية، مرحة منفتحة، وليست شخصية انطوائية منغلقة، وهذا دليل على ضعف الإنسان الذي وصفه الله بقوله:" خلق الإنسان ضعيفا".وما زالت به الحال حتى دخل المستشفى، وأصيب بالشلل الذي طال به، ولقي ما لقي منه من المعاناة، جعل الله ذلك نفادًا في سيئاته وزيادة في حسناته، ورفعًا لدرجاته، اللهم آمين.
وأملنا في دولة قطر المعطاءة التي أنشأت مؤسسات عديدة لتحقيق أهداف شتى: ألا تضن على مشروع المعايرجي في خدمة القرآن، وأن تنشئ هذه الهيئة العالمية التي كان ينشدها أخونا وحبيبنا رحمه الله.
فإذا لم تنهض قطر بمشروع المعايرجي ـ كما هو العهد والرجاء فيها ـ فإني أحيل الموضوع إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، وأمينها العام د. أكمل الدين إحسان أوغلو، وقد كان صديقاً للمعايرجي، وهو على علم بمشروعه وأهميته، نرجو أن تتولى المنظمة القيام على هذا المشروع، ولن تعجز الأمة الإسلامية على كبرها وسعتها، أن تقوم بمشروع يخدم كتابها العظيم: القرآن الكريم.
ـ[مصطفى علي]ــــــــ[10 Feb 2008, 01:47 م]ـ
تعجبات كثيرة
آه , آه , آه
لا أدري من أي التعجبات أبدأ، ولكن الله المستعان
¥