تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[28 Feb 2008, 11:01 ص]ـ

= يتبع = إضاءآت على موضوع أهل الذمة:

المسألة الثانية: في قوله: {وَقَالَتِ اليهود عَزِيزٌ ابن الله} أقوال: الأول: قال عبيد بن عمير: إنما قال هذا القول رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازوراء. الثاني: قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير وعكرمة: أتى جماعة من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: سلام بن مشكم، والنعمان بن أوفى، ومالك بن الصيف، وقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، ولا تزعم أن عزيراً ابن الله، فنزلت هذه الآية. وعلى هذين القولين فالقائلون بهذا المذهب بعض اليهود إلا أن الله نسب ذلك القول إلى اليهود بناء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على الواحد، يقال فلان يركب الخيول ولعله لم يركب إلا واحداً منها، وفلان يجالس السلاطين ولعله لا يجالس إلا واحداً.

والقول الثالث: لعل هذا المذهب كان فاشياً فيهم ثم انقطع، فحكى الله ذلك عنهم، ولا عبرة بإنكار اليهود ذلك، فإن حكاية الله عنهم أصدق. والسبب الذي لأجله قالوا هذا القول ما رواه ابن عباس أن اليهود أضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق، فأنساهم الله تعالى التوراة ونسخها من صدورهم فتضرع عزير إلى الله وابتهل إليه فعاد حفظ التوراة إلى قلبه، فأنذر قومه به، فلما جربوه وجدوه صادقاً فيه، فقالوا ما تيسر هذا لعزير إلا أنه ابن الله، وقال الكلبي: قتل بختنصر علماءهم فلم يبق فيهم أحد يعرف التوراة. وقال السدي: العمالقة قتلوهم فلم يبق فيهم أحد يعرف التوراة، فهذا ما قيل في هذا الباب. وأما حكاية الله عن النصارى أنهم يقولون: المسيح ابن الله، فهي ظاهرة لكن فيها إشكال قوي، وهي أنا نقطع أن المسيح صلوات الله عليه وأصحابه كانوا مبرئين من دعوة الناس إلا الأبوة والبنوة، فإن هذا أفحش أنواع الكفر، فكيف يليق بأكابر الأنبياء عليهم السلام؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يعقل إطباق جملة محبي عيسى من النصارى على هذا الكفر، ومن الذي وضع هذا المذهب الفاسد، وكيف قدر على نسبته إلى المسيح عليه السلام؟ فقال المفسرون في الجواب عن هذا السؤال: أن أتباع عيسى عليه الصلاة والسلام كانوا على الحق بعد رفع عيسى حتى وقع حرب بينهم وبين اليهود، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولس قتل جمعاً من أصحاب عيسى، ثم قال لليهود إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا والنار مصيرنا ونحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار، وإني أحتال فأضلهم، فعوقب فرسه وأظهر الندامة مما كان يصنع ووضع على رأسه التراب وقال: نوديت من السماء ليس لك توبة إلا أن تتنصر، وقد تبت فأدخله النصارى الكنيسة ومكث سنة لا يخرج وتعلم الإنجيل فصدقوه وأحبوه، ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم رجلاً اسمه نسطور، وعلمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة، وتوجه إلى الروم وعلمهم اللاهوت والناسوت، وقال: ما كان عيسى إنساناً ولا جسماً ولكنه الله، وعلم رجلاً آخر يقال له يعقوب ذلك، ثم دعا رجلاً يقال له ملكاً فقال له: إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى، ثم دعا لهؤلاء الثلاثة وقال لكل واحد منهم أنت خليفتي فادع الناس إلى إنجيلك، ولقد رأيت عيسى في المنام ورضي عني، وإني غداً أذبح نفس لمرضاة عيسى، ثم دخل المذبح فذبح نفسه، ثم دعا كل واحد من هؤلاء الثلاثة الناس إلى قوله ومذهبه، فهذا هو السبب في وقوع هذا الكفر في طوائف النصارى، هذا ما حكاه الواحدي رحمه الله تعالى، والأقرب عندي أن يقال لعله ورد لفظ الابن في الإنجيل على سبيل التشريف، كما ورد لفظ الخليل في حق إبراهيم على سبيل التشريف، ثم إن القوم لأجل عداوة اليهود ولأجل أن يقابلوا غلوهم الفاسد في أحد الطرفين بغلو فاسد في الطرف الثاني، فبالغوا وفسروا لفظ الابن بالبنوة الحقيقية والجهال، قبلوا ذلك، وفشا هذا المذهب الفاسد في أتباع عيسى عليه السلام، والله أعلم بحقيقة الحال.

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير