تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقد ورد على موقع الشيخ الحوالي من محاضرة له بعنوان "التواطؤ الرافضي مع الصليبيين لاحتلال بيت المقدس" قوله "فكان التواطؤ والتعاون بين الرافضة والباطنية الذين كانوا يحكمون بلاد مصر والشام وبين الصليبيين، فسهلوا لهم دخول بيت القدس، ولم يكن بينهم أي حرب، وإنما دخلوه وانتهكوا حرمته، وقتلوا سبعين ألفا من المسلمين حتى غاصت خيولهم في دماء المسلمين إلى الركب".

ثم يتحدث عن صلاح الدين قائلا "بدأ صلاح الدين من النقطة الصحيحة وهي أن يجتمع المسلمون أهل السنة على العقيدة الصحيحة على الكتاب والسنة، وأن يطهر الصف الداخلي من المجرمين ومن المنافقين ومن أهل الضلالات، ثم انطلق لمحاربة الأعداء الخارجيين، ثم بعد ذلك يكون النصر بإذن الله تعالى ولهذا ترك صلاح الدين الإمارات الصليبية في الشام وفلسطين، وذهب إلى بلاد مصر فقضى على الفاطميين .. "

ويتجاهل الشيخ الحوالي هنا ملحمة الصمود الرائعة التي خاضها مسلمو القدس بقيادتهم الفاطمية مدة أربعين يوما من الحصار والقتال العنيف، كما يتجاهل أن الفاطميين لم يكونوا يحكمون الشام يومئذ.

والمعنى العملي لهذه الذاكرة الاختزالية أن واجب الشباب السلفي اليوم هو تطهير الأرض من الشيعة قبل تحريرها من الغزو الخارجي، وعدم التعاون مع الشيعة من أبناء البلد الواحد أو الثقة فيهم، حتى ولو كان المصاب مشتركا والهم واحدا.

أما في الذاكرة الاجتماعية الشيعية اليوم فإن صلاح الدين ليس بطلا على الإطلاق، وإنما هو مغامر عسكري هدم أهم دولة في التاريخ الإسلامي، وهي الدولة الفاطمية، وتساهل مع الصليبيين وتنازل لهم عن بعض الأرض الإسلامية في صلح الرملة، ونشر الجهل والتعصب عن طريق اضطهاده للشيعة وإحراقه لمكتبات الفاطميين في مصر.

وقد عبر عن هذا التوجه المؤرخ السوري حسن الأمين في كتابه "صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين" وذهب أحد الكتاب الشيعة بمصر -د. أحمد راسم النفيس- إلى حد تسمية صلاح الدين "هولاكو الدين الأيوبي".

ويتجاهل الكتاب الشيعة هنا أن صلاح الدين –على أخطائه العديدة ومنها التفريط في المكتبات المصرية- قضى حياته على صهوات الخيل وفي ظل الخيام مدافعا عن أرض الإسلام، بينما كان حكام عصره غارقين في ترف القصور، وأولهم الخلفاء الفاطميون الذين خلَّفوا كنوزا حار المؤرخون في وصفها.

والمعنى العملي لهذه القراءة اليوم أن تنظر بعين الريبة إلى أصوات التحرير الصادرة من أي جهة سُنِّية، وأن لا تثق إلا بأبناء الطائفة.

إن التدقيق في حياة صلاح الدين عن طريق المصادر الأصلية المكتوبة في حياته أو قريبا من عصره يدل على أن كلا القراءتين السلفية والشيعية لسيرته تبسيط مخل واختزال لشخصية مركبة في القوالب الطائفية المتحكمة في ثقافتنا اليوم، وهما مثالان واضحان على الذاكرة الاجتماعية المبنية على الأوهام.

* خلل القراءة السلفية

أما القراءة السلفية لصلاح الدين فيظهر خللها من خلال أمرين:

أولا: لم يكن صلاح الدين سنيا بالمعنى الذي يفهمه السلفيون اليوم، بل كان أشعري المعتقد، حتى ليذكر السيوطي وغيره أن صلاح الدين أمر المؤذنين بإعلان العقيدة الأشعرية من منابرهم كل ليلة. كما يذكر عنه قاضيه وكاتب سيرته ابن شداد أنه كان يستمع لسماع الصوفية.

ومن المبادئ الجليلة التي أرساها أبو الحسن الأشعري أنه لا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة، والحق أن صلاح الدين لو كان سلفيا يعادي الأشعرية ويبدِّع الصوفية ويكفر الشيعة لما استطاع توحيد الكلمة وتحرير الأرض.

لقد كان من حسن حظ الأمة الإسلامية آنذاك أن صلاح الدين الذي حمل راية الدفاع عنها أيام الصليبيين كان ذا عقل أشعري تركيبي، ومن سوء حظ الأمة اليوم أن من يحملون راية الدفاع عنها الآن ذوو عقول سلفية تبسيطية أو شيعية تبسيطية.

ولست أقول هذا لأني أشعري، فأنا لست بحمد الله أشعريا ولا سلفيا ولا سنيا ولا شيعيا، بل أتشبث بالتسمية القرآنية: "هو سماكم المسلمين" وأراها خيرا وأبقى من الاصطلاحات التاريخية المبتدَعة.

ثانيا: لم يكن لدى صلاح الدين مشكلة مع الشيعة الإمامية -وهم عامة الشيعة اليوم- بل كانت مشكلته مع الشيعة الإسماعيلية الفاطمية –ومنهم حكام مصر يومئذ- ومع طائفة الحشاشين الدموية التي حاولت اغتياله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير