في شريعتنا أن من سكت عن قول منكر ولم ينكره وهو قادر؛ فهو من قائليه، وله حكم فاعليه، ولهذا قال الله عن اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] مع أن القائلين بذلك هم قلة منهم، ولكن لما كانت الكثرة غير مُنكِرة لذلك، نُسِبَ ذلك القول للجميع. والهولنديون ومعهم الدنمركيون بل غالب الأوروبيين لم يسكتوا عن حملات الإساءة للإسلام، واستباحة حرمات المسلمين فقط، بل شاركوا بشكل أو بآخر معهم، فماذا يريد هؤلاء القوم؟!
الفيلم البذيء والمسيء الذي أنتجه اليميني الصهيوني، الهولندي (جيرت فيلدرز)، والذي بثه على الموقع الرسمي لحزبه، يوم الخميس (27/ 3 /2008) هذا الفيلم هو آخر ما تفتّقت عنه ذهنية العدوان الغربي الأوروبي على ديننا وحرماتنا، فالظاهر أن كفار أوروبا تركوا لكفار أمريكا الحرب العسكرية ليتفرغوا هم لحربنا الفكرية (الدنمارك– الفاتيكان– فرنسا– بريطانيا– إيطاليا) واليوم هوامّ هولندا!!
والعدوان الغربي الراهن يراهن على أمور-فيما يبدو- لا بد من التيقظ بعدم الانجرار لها أو الاغترار بخداعها؛ حيث إن مرحلة الرسوم المسيئة، تعقبها الآن مرحلة الأفلام الرديئة، لتتواصل حملات استغضابنا، حتى نخرج عن صوابنا أو نفقد الإحساس بكرامتنا.
ولهذا لا بد من وضع بعض النقاط على بعض الحروف في هذه النازلة الجديدة:
أولاً: الغربيون يعاودون العدوان في كل مرة تحت العنوان نفسه (الإساءة للإسلام)، وتحت الدعوى نفسها (حرية الفكر)، وتحت الهدف نفسه (الاستغضاب والاستفزاز)، وتحت الطلب ذاته (أن نصمت ونصبر)، وتحت الرغبة إياها (أن نساوم ولا نقاوم)، وتحت الأمل بعينه (أن نخرج عن الصواب أو نفقد الإحساس بالكرامة)، والمراقب لردود أفعالنا يشعر أننا نُستدرَج شيئًا فشيئًا إلي ما يريدون، ونحقق ما يشتهون!.
ثانيًا: إذا كُنا كل كَرَّة نُؤْخَذ على غِرَّة، فتختلف اجتهاداتنا، وتتبعها تصرفاتنا وتحركاتنا، فإننا لا عذر لنا هذه المرة، فالمجرم الذي تفنن في العفن المبثوث اليوم؛ لم يفاجئنا بفنه البئيس وفيلمه الخسيس، ولكنه أرجأنا هو ومن وراءه، ليختبرونا حكامًا وشعوبًا، هل سنرتبك في هذا الهجوم كما ارتبكنا في أزمة الرسوم؟ أم أننا وعينا الدرس وعرفنا كيف نُؤلِم مَن آلمنا ونؤذي من آذانا؟! ولو على الأقل باستمرار المقاطعة حتى تؤدي دورها؟
إن هولندا منذ أن انبعث أشقاها ليبدأ (الفتنة)؛ وهي تستعد لردود أفعالنا، أنثور فنفور فننتصر؟ أم نَمَلّ فنبرد ثم نخمد؟! أما رأس الفتنة (جيرت فيلدرز) فقد أعلن على الملأ منذ شهور طويلة، أنه ينوي إنتاج فيلم يهاجم فيه القرآن، مثلما فعل زملاؤه من عبدة الشيطان الدنماركيين الذين أساءوا لسيد النبيين، ورسول رب العالمين إلينا وإليهم وإلى البشر أجمعين (صلى الله عليه وسلم). كأن القوم يتبادلون الأدوار في الإساءة إلينا، ويتدرَّجون في استدراجنا! فلماذا لا نتبادل الأدوار في صد الإساءة إليهم؟ ونتدرج في رد عدوانهم، ولماذا يريد كل «مجتهد» أن يسوق الأمة كلها وراء اجتهاده فقط؟
ثالثًا: اسم الفيلم (الفتنة) تعبير يحمل الكثير من الدلالات، وهو لا يخدم سوى قضية الإساءة كما قال رئيس الوزراء الهولندي، ولا يهدف فيما نرى إلا تحقيق عنوانه (الفتنة) .. !! ومع هذه الفتن المعدة للتصدير في كل أنحاء العالم، ومع اعترافهم في كل مرة بأنها إساءة، وعدم قبولهم لأي اعتذار عنها؛ يطلبون بل ويلحون أن يكون ردنا -إن كان لنا حق في الرد– (سلميًّا) أو (دبلوماسيًّا) وألا يكون أبدًا سياسيًّا أو اقتصاديًّا، والأفضل ألا يكون كليًّا ... !! ..
نقول لهم: ستريكم الأيام كيف يغضب الله لدينه وعِرْض نبيه وشرف كتابه، وينتقم بما يشاء ممن أساء، وعندها نقول بقول الله: {سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون} [الملك: 27]، لكن الله تعالى مع ذلك يبتلينا بهم؛ ليعلم هو أننصر دينه كما أمر، أو نؤثر السكوت ونخلد إلى السكون {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].
¥