رابعًا: (حرب المقدسات) التي تجري معاركها بتسارع متصاعد، والتي كتبت عنها مرارًا في مجلة البيان وموقع لواء الشريعة، هذه الحرب الممهدة لصراع الحضارات الذي «بشر» به اليهودي الأمريكي صمويل هنتنجتون؛ أخشى ما أخشاه أن تنجلي عن حالة انكسار، يعقبها استهتار بتبعات حملات الإساءة، وهو ما بدأنا نلحظ بعض مظاهره، في خفوت صوت التفاعل مع أحداثها، مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل عام مثلاً!! .. والمحذور هنا أن ينتقل أكابر المجرمين من مرحلة الإساءة النظرية لمقدساتنا، إلى مرحلة الإساءة العملية، فالمسجد الأقصى مثلاً تتصاعد وتيرة السعي لهدمه يومًا بعد يوم، وقد بُحَّتْ أصوات المحذرين من ذلك، دون أن يكون لذلك صدًى رسمي ولا شعبي يتجاوب مع خطورة الكارثة المتوقعة .. !
والقرآن نفسه الذي تُبَثّ اليوم حوله سموم الفتنة الجديدة بدعوى أنه (كتاب إرهاب)، كيف سيجري التعامل الدولي في بلاد الغرب مع من يحملونه في متاعهم أو صدورهم، وهل ستعد مساجدهم ومنتدياتهم أوكارًا للإرهاب؟
خامسًا: إذا كان ظل اليهود لم يغب عن حملات الإساءة للإسلام منذ بدأت تلك الحملات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى هذه الحملة الأخيرة ضد الكتاب الذي أُرسِل به؛ باعتبار صهيونية (جيرت فيلدرز) وصهيونية حزبه، إذا كان ذلك كذلك؛ فإن ليبرالية ذلك الصهيوني السابقة لن تكون بعيدة أيضًا عن تفعيل حملته، وقد ظهر ذلك من الآن بحماية الحكومة الهولندية الليبرالية له ودفاعها عن «حقه» في التعبير عن رأيه، والذي أتوقعه أن يستثمر الليبراليون الثمرات الخبيثة لتلك الحملة من وراء ستار أو من أمام ستار، في فصول جديدة وخطيرة من (معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية)، تلك المعركة التي لم تأخذ نصيبها الكافي بعدُ في اهتمام خواص الإسلاميين فضلاً عن عوامهم.
لهذا ينبغي التذكير بأن الطعن في ثوابتنا ومقدساتنا نحن المسلمين على وجه الخصوص، بدعوى (حرية الفكر) و (حرية الرأي)، و (حرية التعبير) و (حرية الفن)، وغير ذلك من حريات الليبراليين «المقدسة»؛ هو الخلفية الذهنية لهذه الجولة الجديدة من (حرب الأفكار)، فالأفكار –كل الأفكار– لها حرية البثّ والبعث والانتشار عند هؤلاء الليبراليين الكفار، إلا الأفكار الإسلامية، فليس لها إلا الحديد والنار!
سادسًا: (أسلمة هولندا) هي هاجس صاحب الفتنة بعد أن وصل عدد المسلمين فيها إلى ما يقرب المليون، فهل تم إرهاب هؤلاء حتى يدخلوا في الإسلام أو يبقوا عليه؟ .. إن هذا أحد أسرار الخوف من الإسلام والتخويف منه .. أنه ينتشر بأقل الإمكانات، وبأضعف الجهود، مقارنة بما يُبْذَل لخداع الناس بالنصرانية، عن طريق الشهوات والشبهات، ولهذا فإنني أرى أن عاقبة هذه الحملة الإجرامية –على ما فيها من شر - يمكن أن تعكس وجوها من الخير، قد لا تكون منظورة الآن، وذلك إذا تعاملنا معها بهداية القرآن، فقد قال الله عز وجل مخففًا من قلق المؤمنين على دينهم من أذى أعدائهم {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].
فالأذى الكثير الواقع والمتوقع من أهل الكتاب، ومن الذين أشركوا، يحتاج إلى صبر، وإلى تقوى مع الصبر، في رد الأذى وصد العدوان مهما كان، وقد أثنى الله تعالى على الذين {إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]، والانتصار لدين الله هنا أنواع متعددة، لكن يحكمها هدي القرآن نفسه الذي أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يجعله منهاج دعوته وسلاح جهاده، مهما كره الكفار والمنافقون ذلك، أو اعترضوا على ذلك، {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأحزاب: 48]، {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52].
أمامنا جهاد كبير بالقرآن وبمنهج القرآن للمنافحة عن هذا القرآن ضد حملات حزب الشيطان.
والمجال مفتوح على مصراعيه لكل من يكشف وجوه الحقارة في تلك الحضارة الغربية المنهارة حتمًا بأفكارها وبأيدي أهلها.
والمجال مفتوح لكل من يبذل جهدًا في إغاظة الكفار؛ بتوسيع انتشار هذا القرآن العظيم علمًا وعملاً، والمجال مفتوح لمن يطرح على المكشوف تلك الزيوف والتخاريف الموجودة في أسفار القوم «المقدسة» التي يعايرون بها الأمة؛ رغم ما فيها من كوارث أخلاقية وتناقضات تاريخية، وكلمات تروج للهمجية باسم الشريعة الإلهية، لا على المستوى التنظيري فحسب؛ بل على المستوى العملي الذي تشهد به إبادات الهنود الحمر، وتسخيرات العبيد الأفارقة، و «تفجيرات» هيروشيما وناجازاكي، وغيرها من القوائم الطويلة والعريضة التي ثبَّتت الرأسمالية الليبرالية بها أقدامها على أنقاض حريات الشعوب وخيراتها.
فمن ينتدب لداعي النصرة لكتاب الله ولعرض رسول الله، من يقول بحق (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) كما قال الحواريون لعيسى ابن مريم، الذي يزعم هؤلاء الموتورون الانتماء لدينه والانتساب لاسمه، من يقول لله: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} .. ؟ ومن يستجيب لنداء الله في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} [الصف: 14]؟
المصدر: موقع لواء الشريعة