تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الاستعمار التي حللها فانون فهو قائم على الهيمنة والتسلط. وفي الحالتين فإن استخدام المصطلح يشير إلى مغايرة نسبية، فإذا كان «الآخر» بالنسبة لهيغل ممثلاً في الخادم، وبالنسبة لفانون «العبد المستعمر»، فإن «الآخر» بالنسبة لهذا الخادم والعبد، هو «السيد» وهو «المستعمر»، والعلاقة بينهما -من موقعه على الأقل- هي علاقة الخضوع لهذا الآخر، خضوع قد يجمّل بأسماء أخرى، ويروج تحت شعارات براقة لتخفيف الذل ووطأة الكلمة الصريحة .. وهو أمر يذكر أيضا بمقولة هيغل الأساسية «كل وعي بالذات يطارد موت الآخر» .. فهل قبول الآخر بهذا المعنى هو تجاوز مرحلة الذوبان في الآخر إلى التماهي فيه وصولا إلى انتحار الذات؟

لا أستطيع إلا أن أتذكر كل هذا، وأنا أشاهد هذا الترويج للقبول للآخر، الذي يصر منذ لحظة الاستعمار صعوداً على تقمص الدور الفرعوني، «أنا ربكم الأعلى» و «ما أريكم إلا ما أرى»، هل سيكون قبول هذا الآخر تدريباً للعبيد على أن يكونوا أكثر طاعة وتهذيباً وعبودية. أستطيع أن أفهم التعايش، التعارف، المعرفة، عندما تكون أساساً للعلاقة مع الآخر، لكن هذا القبول المفتوح بلا حدود واضحة لا أراه إلا استسلاماً غير مشروط وغير محدود الأجل حتى لو كان يروج بحسن الظن والنية من قبل البعض .. وعلى ذكر حسن الظن والنية، هناك بعض الكتاب، يحاولون الترويج لثقافة قبول الآخر عبر تأصيلها قرآنياً. ويحاولون أن (يخوفوننا) من مصير رفض الآخر، باعتبار أن إبليس كان أول من رفض الآخر!! وعلينا أن نتخلص من كل مظهر من مظاهر رفض الآخر باعتبارها أثراً إبليسياً لعيناً.

المشكلة في هذه الرؤية أنها تظهر دون أن ينتبه المروجون إلى أنها تعتبر أن التعبير الحقيقي عن قبول الآخر هو السجود له! ..

ومن حيثيات كل ما سبق، أعتقد أن هذا التعبير صحيح جداً، مع تنزيه الآية القرآنية عن أن يكون لها أي ربط بذلك ..

وبالمناسبة: أتمنى من المؤمنين بلا حد بقبول الآخر، أن يعتبروا أني أنا الآخر (هذه المرة فقط)، وأن يحاولوا قبولي بالطريقة نفسها اللامحدودة، أم أن هذا الشرف محصور بمن هو أشقر فقط؟! ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير