تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله قام فيهم فذكر [لهم] أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: [يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفَّر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله: ((نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر)) ثم قال رسول الله: ((كيف قلت؟)) قال:] أرأيت إن قُتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله: ((نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر [إلا الدين] فإن جبريل قال لي ذلك)) [رواه مسلم] [8].

ومن منطلق هذا المنهج الرباني، والوحي الإلهي، كان رسول الله لا يصلي على جنازة من عليه دين، عن جابر قال: توفي رجل منا، فغسلناه وحنطناه وكفّناه، ثم أتينا رسول الله فقلنا له: تصلي عليه، فخطا خطًى ثم قال: ((أعليه دين؟)) قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: هما عليّ، فقال رسول الله: ((حقَّ الغريم، وبرئ منهما الميت)) قال: نعم، فصلى عليه رسول الله. [حديث صحيح] [9].

وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل: ((هل ترك لدينه قضاء؟)) فإن حُدِّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: ((صلوا على صاحبكم) فلما فتح الله عليه الفتوح قال: ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعليّ قضاؤه)) [متفق عليه] [10].

قال أهل العلم: وامتناعه من ذلك لأن صلاته شفاعة، وشفاعته لا تردّ، بل هي مقبولة، والدَّين لا يسقط إلا بالتأدية.

إخوة الإسلام:

المماطلة من الغني في أداء الدين ظلمٌ شنيع، والتسويف والتأخير في توفية الحق عند الوجدان اعتداء فظيع، قال: ((مطل الغني ظلم)) [متفق عليه] [11]. وفي حديث آخر: ((لَيُّ الواجد [12] يحلّ عرضه وعقوبته)) [13].

قال أهل العلم: المطل هو المدافعة، والمراد في الحديث تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر من قادر على الأداء.

إخوة الإسلام:

إن ثمة توجيهات ربانية ووصايا نبوية في قضايا الدين، تنظر من واقعية لا مثالية، وتنطلق من قاعدة الإحسان والرحمة والشفقة، وتنبثق من أصل اليسر والمرونة والسعة:

منها الحرص على أن ينطلق العبد في الدين عند الحاجة إليه من مقاصد حسنة، وعزيمة صادقة على الوفاء، ومن نية طيبة في القضاء، لا يبيِّت نية سيئة، ولا يخفي مقصداً خبيثاً، قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)) [رواه البخاري] [14].

قال أهل العلم: وتأدية الله عنه تشمل تيسيره تعالى لقضائه في الدنيا، وأداءه عنه في الآخرة بأن يرفع دينه بما شاء الله إذا تعذَّر على العبد القضاء.

أخرج ابن ماجه وابن حبان والحاكم مرفوعاً: ((ما من مسلم يدَّانُ ديناً، يعلم الله أنه يريد أداءه، إلا أداه الله عنه في الدنيا والآخرة)) [15].

والحذر الحذر - أمة محمد - من تبييت نية سيئة أو مقاصد خبيثة، بعدم الوفاء بحقوق العباد، فمن وقع في ذلك عرض نفسه للإتلاف الوارد في الحديث الآنف: ((ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)).

قال أهل العلم: والإتلاف هنا يشمل إتلاف النفس في الدنيا بإهلاكها، ويشمل أيضاً إتلاف طيب عيشه وتضييق أموره، وتعسّر مطالبه، ومحق بركته، فضلاً عما يحصل له من العذاب في الآخرة.

عباد الله:

ومن تلك التوجيهات أمر الشريعة النبيلة بحسن الأداء، والإكرام للدائن عند القضاء، جاء في حديث أبي رافع، أن النبي استسلف من رجل بكراً [16]، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فلم يجد إلا خياراً [17]، قال: ((أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً)) [رواه مسلم] [18].

معاشر المحسنين:

وإن من وصايا الشريعة المحمدية التيسير على أهل الإعسار والفاقة، والتسهيل لأهل الفقر والحاجة، فمن واجبات الإسلام إمهال المعسر عن أداء الدين، والإلزام بإنظار المدين إلى ميسرة، قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى? مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]. والعسرة هي ضيق الحال من جهة عدم المال.

إخوة الإسلام:

التيسير على المعسرين فضله كبير، وأجره عظيم، جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي: ((ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) [19].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير