" أختي وأبناؤها محاصرون في تلة الخياط (أحد أحياء بيروت السنية)، ممنوعون من الخروج، ومسلحو " حزب الله " في الأزقة وفوق أسطح البنايات يقنصون كل من يخرج إلى الشوارع ".
" مقتل خمسة أشخاص أثناء تشييع جنازة في الطرق الجديدة (حي سني في بيروت) " والصور أظهرتهم وهم يتخبطون في دمائهم.
"محاصرة دار الفتوى والمساجد، ومنزل النائب سعد الحريري، والسراي الحكومي، واقتحام منزل نائب سني آخر هو عمار حوري ".
هذه مرويات ومشاهد ذكرها الإعلام وأناس كانوا في المكان، نقلوها بصدق وأمانة، وليس الهدف منها المبالغة أو التهويل والتحذير من أخطار متوهمة أو خيالات.
ويعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، فتنتقل الأحداث إلى خزان أهل السنة طرابلس، ليجد أهل السنة أنفسهم وجهاً لوجه مع النصيرين العلويين من سكان طرابلس، ويحدث الاقتتال بينهم في باب التبانة، ويسفر النصيريون عن وجههم الكالح، ليصرح قائدهم البارحة على إحدى الفضائيات قائلاً: عددنا (50) ألفاً، ليس لدينا مانع من أن يقتل نصفهم ليحيى النصف الآخر بكرامة!
إن هذه المعركة حدثت نفسها بين سنة طرابلس ووالد هذا الشخص (علي عيد) بدعم سوري إيراني مشترك، قبل ربع قرن من الآن، فتغيرت الشخوص وبقي المكان والعقائد لم يتغيرا.
وعلى الجانب الآخر من الصورة مارس الجيش اللبناني ما يسمى بالحياد، فأغلق المطار، ولم يصنع شيئاً، وأقفلت الطرق إليه، ولم يصنع شيئاً، وأقفلت غالبية الطرق الرئيسة في بيروت والمناطق، ولم يصنع شيئاً، وانتشر في شوارع بيروت الرئيسة وترك الأزقة الخلفية للمسلحين ليعيثوا فساداً، وكان القتل والتخريب على مرأى منه ومسمع، وكل ذلك سوغته قيادة الجيش بالخوف من أن يؤدي دخول الجيش المعركة إلى انفراط عقده،لكون كثير من أبنائه من الطائفة الشيعية، وهو أمر استدعى انتقاداً مبطناً من رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في خطابه مساء السبت الماضي، طالباً من الجيش أن يمارس دوره على الأرض، حكماً بين الفرقاء، فليت شعري أي حياد هذا؟ وما فائدة الجيش حين لا يُقدم وقت الإقدام!
وهنا أتذكّر كيف كان حال اللواء السادس في الجيش اللبناني، الذي وقف مع حركة أمل وأسهم بدوره في المذابح التي ارتكبتها الحركة ضد اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، تلبية لنداء زعيم الحركة آنذاك وحامي الديمقراطية الآن نبيه بري!
إن أهل السنة بحاجة الآن – أكثر من أي وقت مضى - إلى تفكير جاد وعميق يبحث هذا الأمر بدقة ويستخرج منه العبر التي يجب أن يتعلموا منها بقدر ما آلمتهم.
إنهم بحاجة إلى التواصل فيما بينهم سواء في داخل لبنان أو خارجه لابتكار الأساليب التي تسعى إلى نشر قضيتهم وتوضيح خطر المجوس القادم على لبنان والمنطقة بشكل واضح، كما أنه لابدّ من التواصل مع وسائل الإعلام العربية والعالمية وفضح المخططات والأعمال التي ارتكبها المجوس الجدد في بيروت وأماكن أخرى من لبنان.
وفي الوقت نفسه فإن على العلماء مسؤولية كبيرة في بيان الحق وتوضيحه للناس، وذلك بتحديد اتجاه البوصلة الذي يجب أن يسيروا فيه، فلقد كانت كلمة مفتي الجمهورية أول يوم من الحدث محلاً لتسليط الضوء من قبل وسائل إعلام مختلفة، ثم تبعه عددٌ من العلماء والمشايخ، ولهذا أثر واضح في أن العلماء لهم دورهم الذي لا يستهان به في القيادة، فيجب عليهم أن يلتقطوا هذه الإشارة ولا يضيعوها عند الهدوء والتقاط الأنفاس، حتى لا تُستَلب الانتصارات، وتضيع في الهواء.
إننا بحاجة إلى النظرة الواسعة الشاملة للصورة بأكملها، وأن نسمي الأمور بأسمائها، ونعرف عدوّنا الحقيقي، الذي يجب أن نعدّ العدة لمواجهاته، وبالتالي؛ فإن أم المعارك التي يجب أن يخطط لها العلماء في لبنان هي بناء الطائفة السنية على أسسٍ صحيحة تحفظ بقاءهم من الزوال، بناء يجعل هذه الطائفة تمارس دورها الطبيعي الذي يمارسه أهل السنة على مدار العصور في كونهم أهل العدل والحق والتسامح وبذل الخير للآخرين، كما أنهم في الوقت نفسه ينطبق عليهم قول عمر رضي الله عنه: " لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني".
وهذا يقتضي من العلماء أن يطوّروا آلياتهم، ويخرجوا من النظرة الضيقة المبنية على قلة العلم أو الوعي عن البعض، وحب المصالح الشخصية عند البعض الآخر، وادعاء الحياد والهدوء البارد! لينهض فئة من المخلصين – ولا أظنهم قلة – ليعيدوا الناس إلى الجادة ويرسموا لهم طريق الخلاص.
وفي الوقت نفسه؛ أطالب القادة والعلماء والموسرين في العالم العربي والإسلامي ألا يتخلوا عن إخوانهم في لبنان بالنصح والتسديد والمساعدة، فما تبذله إيران وسوريا في لبنان من المال والسلاح والرجال، أمرٌ لا يستهان به، وهاهو ذا بدأ يؤتي أكله فيما نرى ونسمع.
إنكم إن أسلمتم لبنان للمجوس وغيرهم؛ فأخشى أن يصلكم الدور، وأن تندموا ولات ساعة مندم.
وهنا أطالب عدداً من الكتّاب الذين كتبوا هذه الأيام، ودافعوا عن المجوس بحجة ما يسمى بالممانعة، وأنهم مقاومة وطنية تقاوم الأمريكي والصهيوني أن يعيدوا النظر في كتاباتهم ويتفكّروا في الوقائع كما هي، ويخرجوا من التنظير والأبراج التي يعيشون بها، ليعلموا كم هي جنايتهم عظيمة من كل جوانبها حين لا يشاهدون الصورة من كل جوانبها.
إنه لا ينبغي أن نظل نستمريء النوح والبكاء والشكوى، كما يفعل المجوس في كل عاشوراء، وأن ينتقل إلينا هذا الأمر، بل لابدّ من أخذ العدة له ووضع الخطط المناسبة لصده، فما حدث كافً في أخذ العبرة، وما يجب فعله يجب أن يتجاوز ردّ الفعل الآني، إلى الأفعال المنظمة الممنهجة وفق دراسة وخطط استراتيجية.
رابط المقال:
http://www.almoslim.net/node/93330
¥