- قاتل الله الغفلة، وأين جرير، وأين الكميت، .. ، والأخطل والأعشى،
وهل نسيت العباس بن الأحنف حتى تأتي إلى موالي القوم، ثم تصمني بأنّ
هؤلاء أشعر شعراء يمكن أن أسمع لهم ..
- " أسمع يا أخ .. أحسّ بالرجعية تجتاحك من كل مكان .. في لهجتك ..
وزيك .. وأخيرا شعراءك هؤلاء، الذين لا يفرقون ما بين المدرسة
الكلاسيكية، ولا رمزية المهجر، وأظنني" ..
- ثكلتك أمك اللحظة .. هل تشتمني وتتشمت بي؟؟
- "عن الغلط لو سمحت، إلا الوالدة، أنا قلت لك .. "
- والله لبطن الأرض خير من ظهرها .. أوَ قُدِّرَ لي أن أحيا حتى ينمو إلى
أسماعي شتائم من أمثالك، يا لكع بن لكع؟
وخرج الأصمعي وهو من الغضب في مزيد، يهز رأسه أسفا وحنقاً من جديد،
ولاعنا كل الأسماء التي وجدها بالداخل، يحدث نفسه: أقول له انشدني
عن أشعرهم، فيقول هل سمعت بفاطمة ناعوت .. نعته الله وإياها بكل سوء
.. واستنشده عن شعر يني يعرب، فيقول لي أسمعك الساعة مقطعا لأليوت،
قطع الله إليته وإلية من عرّفه عليه .. ثم شخص ببصره إلى الارض وانشد:
ولكن الفتى العربي فيها،،، غريب اليد والفم واللسان ... وحلف ليمضين
صوب دار الخليفة يستنجده، ويطلبه المدد في أن يخرج الروم وأذنابهم
من البلد، بعد كل هذا الرطن الذي وجده، والكبد الذي ألمّه وكبَّده
.. فمضت به الراحلة، تسلك السكك الممهدة القاحلة، ولا يجل في عينه
إلا ضياع اللغة وبوار الشعر والقافية،حتى وصل لسور عظيم .. قد ارتص
الجند وقوفا به محيطين، عن اليمين واليسار مهطعين عِزين .. وتراصوا
على عمدان مزروعة، واسلحة بإيديهم مشهورة ليس بينها سيف ولا رمح ..
والناس لا تمر من أمامهم إلا منجفلين سراعا، فكاد لفرط غضبه أن يلج،
غير أنه تهيب، وتريث، وود لو سأل أحدهم: إن كان الخليفة بها أم
بالحج أم أنّ هذا العام عام الغزو؟؟
وما برح حتى مر بجانبه فتى، قد لبس قمصيا عليه تصاوير زاهية،
وسروالا يستره ويصفه، فأنكر ملبسه وهيئته، لكن عمامته شفعت له عند
الإمام الأصمعي، فصاح به:
- يا رجل ..
- "إسفيه"
- من هو السفيه، لاحول ولاقوة إلا بالله، أهذه دار الخليفة .. ؟
- " أيس كلام إنته"
- قلت لك أهذه مثوى رحل الخليفة التي يصدر منها فرمانه .. ؟
- "إنت مزنون .. هذا سفارة أمريكية .. يالله يمسي من هنا، حكومة
بعدين سيل انته"
- ماذا تقول ـ لحاك الله ـ ألا تحسن كلمة ولا تفقه قولاً بلا لحن وعجمة؟؟
وحلف بأغلظ الايمان هذه المرة ليمضينّ غير آبه بكل كوامن اسئلته، حتى
يطرحها بين يدي حامي حمى المسلمين، خليفة الدنيا وحارس الدين،
وصادف اقتحامه ببعيره، خروجَ القنصل الأمريكي، والذي افتر باسما
يقول للجنود بانجليزية: أنه منذ زمن وهو يتمنى أن يرى مفاجأة من هذا
النوع في جدة، إنه حتى الساعة لم يتمتع بركوب أحدها .. فهرع إليه
الأصمعي، وهو يرى الجنود يحيطون به من كل جانب، وذاكم الأمرد الاملص
من بينهم يضحك له ويوميء له بعينيه، وتعابير وجهه، أنْ تعال!
- لعائن الله عليكم تترى، أبيَ مسّ من الجن أم تخطف الشياطين عقلي؟
أفسحوا الطريق، لألقى الخليفة، أبغيه في شأن جلل، .. ، وهز راحلته
يحثها على الولوج، التمعت عينا السفير الزرقاوين، ولمح الأصمعي ..
تدور في عينه ملامح الشر، ولم يدر الأحمق ما الأمر، ولا الأصمعي كذلك
درى، فخرجت الأوامر بقصف البعير ومن عليه ..
فاعتلت الصحف من صبيحة اليوم التالي عناوين مثيرة، تشد المواطنين:
" رجعيٌ تقليديٌ مفخخ، يحاول اقتحام السفارة الأمريكية ببعيره،
والسلطات الأمنية تتصدى له بكل بسالة، وتحبط مخططاته .. "
وفي ثنايا الخبر:
" القبض على عشرة آخرين معه، وجد بحوزتهم مبالغ مالية طائلة،
وكمية من الكلانشكوف والديناميت الكافي لتكرار كارثة تشرنوبل،
واخيراً الإعلان عن عشرين مطلوبا أمنيا لاذوا بعد مداهمة أخر أوكارهم
بالفرار"
الصحف الأخرى، تحدثت عن بسالة رجال الأمن، وعن عدد الأسلحة التي
صودرت من قبل الجاني أو الجناة كما يقول تقرير وزارة الداخلية، ..
العربية، بثت شريطا مصورا للحادثة ..
وأكدت على جرم هؤلاء الرجعيين، وخطورة أمرهم، واستضافة، الهمام
النحرير، مساري الذايدي، الذي أبدى في تحليله السياسي الأروع، أن
هؤلاء الرجعيين ـ وحسب ما يعرفه عنهم وعن أحوالهم ـ يرون بحرمة
امتطاء السيارات، وكل مستلزمات الحضارة الجديدة والمعاصرة، وتوقع
عمليات مثيلة متقاربة في الآونة القادمة، حاثا السلطات الأمنية على
التصدي لكل "بعارين" طريق الرياض -القصيم، واصفا إيها بأنها الأخطر
نوعا ورجعية، وكذلك راكبوها .. حسبما قال فض الله فاه ..
وكذلك فعل المحلل المخلخل الآخر:فارس بن حزام .. والذي أشار للقناة
أن توقع وقوع مثل هذه الحالة، من قبل، وأنه ذكر ذلك في أحد
تصريحاته الخاصه جدا جدا لاحداهنّ، في برنامج الساعة الواحدة ليلا ..
لكن حِلْمَ أمير المواطنين ورأفته، منعت السلطات من أن تستبق الحدث
الآثم وتمنع وقوعه، واخذ الضالين بالظن .. !
وهكذا مات الأصمعي، وهو بعد يتجرع متهجيا وقائع المحنة "ماك دونالد" ..