تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أسرار المحن!]

ـ[كرم مبارك]ــــــــ[30 - 01 - 2010, 06:27 ص]ـ

سأنشر بقلمي المتواضع - إن كتب الله لي العمر والوقت - مقتطفات يسيرة من أسرار المحن والإبتلاء ممن ابتلى الله به الصالحين من سلفنا الصالح لعلها تكون لنا درساً وفائدة

وأبدؤها بإمام الدنيا إمام هل السنة والجماعة ..

أسأل الله لها القبول ...

(1) الإمام أحمد والمأمون

الرفعة و المجد والعزة لا تشترى بل هي هبة من الله تعالى لكل مخلص في إيمانه وتقواه

والعلم لا يعطى إلا لمن أخلص في الطلب وتواضع ثم نشره من غير منة أو غرور

وكل شيء عند البشر إذا كثر وزاد رخص وهان وبخس وقلت قيمته لديه ولدى غيره إلا التقوى والعلم والأدب والأخلاق والتواضع فإنها إن كثرت واجتمعت لدى شخص بعينه على وارتفع وأصبح يشار له بالبنان وأنزل الله محبته عليه فأحبه الناس ورفعوه

هذه الحقيقة غابت عن الخليفة المأمون، فبقوة جنده وحشمه وخدمه وبلاطه وماله مالت على عينيه غشاوة حجبت عنه تلك الرؤية الساطعة وهذه الحقيقة الواضحة.

فهو يقف في قمة الجبل ويرى الناس صغاراً وإن كان بين الناس هؤلاء جبل كالذي يقف عليه اسمه أحمد بن حنبل إمام أهل السنة رحمه الله تعالى، ولا يدري - المسكين - أن الناس أيضاً يرونه صغيراً وهو على تلك القمة!!

فليست الألقاب هي التي تكسب المرء المجد بل الناس من يكسبون الألقاب مجداً!

لذا قال إبراهيم الحربي: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا "

لقد نسي المأمون بل تناسى أن ذاكرة التاريخ لا تمحى، وإن سياطها لا ترحم، وإنها شاء أم أبى ستضع عداوته للإمام أحمد وتعذيبه له في ميزان لا يذكر بجانبها أعماله وفتوحاته وانتصاراته

وما أقسى سياط التاريخ تلك كأنها سهام نارية لا تخطأ الهدف بل تحيله إلى رماد اشتدت به الريح في يوم عاصف!

فبتلك القوة البلاطية وبذاك السلطان الطاغي أصدر المأمون فرمانه الظالم في سنة 218هـ:

(يمنع المدعو أحمد بن حنبل من التدريس ويساق إلى السجن ويعذب حتى يوافقني في قولي أن القرآن مخلوق ... ويعزل كل قاض أو مفت من منصبه في جميع الأمصار والولايات بل ويحبس ويعذب إن لم يقل بما نقوله نحن!

ثم إمعاناً في القوة والجبروت وطغمة السلطة وحب الشهرة والتشفي والتسيد

زاد المأمون في فرمانه: ثم يساق من حبسه ببغداد إلى حيث مجلسي وأقسمُ إن وقف أمامي ولم يوافقني لأقتلنه وأفصل رأسه عن جسده .... !)

كلام الملوك قسم فكيف بقسمهم؟!!

لم يصدق إسحاق بن إبراهيم الخزاعي قائد شرطة بغداد ما سمعه من الخليفة من الأمر الهام والمرسوم الرفيع والحكم الظالم الذي قرره على عدوه اللدود أحمد بن حنبل

فكادت ابتسامة قبيحة أن تفضح نواياه الشريرة الكامنة في داخله منذ فترة ضد هذا الإمام الذي فاقت شهرته الآفاق وطارت بعلمه الخلائق والأنام ..

وما أسرع تنفيذ الخزاعي للحكم وما أبشع ما سقاه من تعذيب وإهانة وتذليل لإمام أهل السنة!

وما كان يدري - المسكين - إنما هو يذل ويهين نفسه بنفسه في حين إن ابتسامة الإمام وهو تحت التعذيب كافية لكي تشعره هو بالخزي والعار والاستصغار

فقمة التحدي وأعظمه أن تبتسم وعينيك تذرف الدموع والألم!

ونسي - أخزاه الله - أن من كانت علياء الدين ورفعته والتضحية من أجله همه وشغل نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب.

وصدق من قال:

لعمرك ما يهوى لأحمد نكبة من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْوِرُ

لريحانة القرَّاء تبغون عثرة وكلِّكُمُ من جيفة الكلب أقذرُ

فيا أيها الساعي ليدرك شأوه رويدك عن إدراكه ستقصِّرُ

وتحقيقاً لما في نفس الخزاعي من شهوة البطش والفتك أسرع في حمل أحمد بن حنبل إلى حيث المأمون خارج بغداد بعد أن استفرغ كامل ما في نفسه من شهوات ورغبات التعذيب والإهانة الجسدية والمعنوية.

فقد كانت نفسه الشريرة في سباق لكي تشاهد رأس هذا الإمام الطاهر يفصل عن جسده، فهو يعلم علم اليقين أن أحمد بن حنبل لن يرجع عن قوله ولو شطر إلى نصفين وكذا المأمون لن يتراجع عن قسمه وإن أطبقت السماء على الأرض!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير